«يا أسفى على حمزة السابق أما حمزة الحالي فقد استحوذ عليه العلمانيون، فاللهم رده إليك ردا جميلا».
رسالة على جوالي أتتني من صديق عزيز حججنا سويا - لخمس سنين متتالية- مع نخبة مميزة من طلبة العلم السلفيين الأقحاح.
فسقنا الهدي من ديارنا وقلدناه القلائد مُدخلين الحج على العمرة قارنين بينهما عاما، ومفردين الحج سنة مرة ومتمتعين به وبالعمرة سنة أخرى.
وكان حجناكحجه عليه الصلاة والسلام في دقيق فعاله وعظيمها، في صورة جميلة من تطبيقات السلفية في عباداتها واستشعارها الروحانيات في كمال معنى العبودية في الاتباع وفي إحياء شعائر هُجرت بسبب تغير الأحوال (كسوق الهدي وتقليده أو إشعاره) مادام ذلك ممكنا ليس فيه إيذاء للآخرين ودون فرض ذلك على الناس أو تسفيه لآراء غيرهم أو شعور بالفوقية.
ورغم أن تلك النخبة من طلبة العلم كان فيهم من يتبوأ مناصب علمية شرعية رفيعة إلا أنني كنت آنذاك مرجعا فقهيا هاما في المجموعة وخاصة في أحكام الحج وفي ما خفي من لطائف الاعتقاد في التوحيد وفي الأسماء والصفات.
ومنذ تلك الفترة لم يختلف موقفي من الانتصارلحقوق المرأة، فلم أكن أناديها علانية إلا باسمها وكنت أطالب بالسماح لها بقيادة السيارة والتعليم والعمل وكنت أعترض علانية لاسرا (كما يفعل كثير منهم) على من يريد إلزام المرأة بتغطية وجهها، فما الذي تغير اليوم فأخرجني صديقي من السلفية إلى العلمانية.
لكل زمان سياساته التي تصلح له، فبقصد أو عن حسن نية، فقد أُشغل جيل الصحوة بالمرأة ليتسلى بمشاكستها واتهامها ومطاردتها فينصرف عن وساوس الجهاديين والتكفيريين التي قدمت إلينا مع الجهاد الأفغاني.
وقد نجح المجتمع بحمد الله في احتواء وساوس التكفيريين وتورط بوسوسة جيل الصحوة بالمرأة.
ومن شواهد انشغال جيل الصحوة بمشاكسة المرأة حتى الثمالة أننا جاورنا - مع صديقي الذي اتهمني بالعلمانية اليوم - في أحد السنين مجموعة من الحجاج الألمان وكانوا يقومون بطقوس غريبة مشبوهة يزعمون بها أنها أحد طرق التصوف، والتصوف الحقيقي بريء منهم.
فكنت أناقشهم وأطلب من طلبة العلم المتمكنين منا -ونحن سلفيون أقحاح- أن يساعدوني بدلا من انشغالهم بالتناوب مثنى وفرادى على مراقبة امرأة بريئة في منتصف العمر تعلوها مسحة من جمال، كانت تبيع عصائر ومرطبات -على ما أذكر- للحجاج، لكيلا تستدرج أحدا أو يستدرجها أحد للرذيلة، فالاحتياط واجب والمرأة متهمة في عقلها ودينها على الأحوط.
وكنت أعترض على تناوبهم في مسرحيات هزلية وهم يمسكون بالإحرامات لتوفير غطاء يستر بعض العجائز من الحجاج حين وضوئهن لكيلا تظهر بعض سواعدهن أو سيقانهن فيفتتن من في قلبه مرض، رغم أنه لم ينتبه إليهن إلا هم.
وصدق الكاتب خلف الحربي فقد أفرزت الصحوة -مما أفرزت من مشاكل- جيلا نسونجيا يطير قلبه وعقله وتوسوس به مردة الشياطين إذا رأى عباءة امرأة فكيف إذا رأى وجهها أو يدها أو باعت له أو حدثته.
فبدلا من أن يتهم دينه وعقله فيبحث لهما عن علاج أو راق، انقلب على المرأة فضيق عليها وطاردها وشكك فيها واتهمها فهي شيطان يتحرك لإغواء الصالحين أمثاله.
جيل الصحوة عاش دهرا يقتات على أساطير مؤامرات التغريب وأُشبع حتى الثمالة بإطروحات خيالية وتنبؤات أثبت الزمن خطأها وسذاجة القائلين بها، ولم يبق لهم إلا مؤامرة حقوق المرأة وإن مما سكت عنه أن الذين يتولون كبر قيادة الحملات ضد حقوق المرأة هم يدافعون عن آخر أطروحاتهم الأسطورية التي أوهموا الناس بخطرها، فهم يخشون أن يكتشف الناس أوهامهم وخطأهم وقلة إدراكهم وضعف حجتهم الشرعية.