اعلم أن الله عز وجل ما حرم شيئا إلا وأباح لنا بديلا عنه وأفضل منه وهذا من كمال عدله ورحمته سبحانه ومن ثم أمرنا به إما على سبيل الوجوب أو الندب ومن ذلك أنه سبحانه وتعالى حرم الزنا وحرم السبل التي توصل إليه وبالمقابل أباح لنا النكاح ورغب فيه قال تعالى: ?وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً? وقال تعالى: ?فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ? وقال تعالى: ?وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ?. ففي هذه الآيات نلحظ أن الله سبحانه أمر المسلمين بالابتعاد عن جميع مقدمات الزنى كالتبرج والاختلاط مع غير المحارم في غير ضرورة والخلوة غير الشرعية والخضوع المتكلف في القول وعدم غض البصر ونحو ذلك والنهي هنا عن مجرد الاقتراب من هذه الجريمة البشعة هو أبلغ من النهي عن الوقوع فيها وبالمقابل أمر الله سبحانه المسلمين بالنكاح كما في الآية السابقة. وقال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- وهو الرحيم بهذه الأمة: « تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» أخرجه ابن حبان في صحيحه وما رواه ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» رواه البخاري.
ولهذا أقول ولست متشائما: إن واقع العصر اليوم بكل أطيافه ينبئ بخطر عظيم وشر مستطير إن لم يتدارك ومن ذلك مشكلة البقاء دون زواج لكثير من الرجال والنساء وخاصة الشباب الذين تكالبت عليهم ظروف الحياة ولم يوجهوا أو يساعدوا على إعفاف أنفسهم سواء كانت هذه المساعدة بالعرض المادي أو التعليمي كتعليمهم فضل النكاح وأنه سنة المصطفى، وأنه سكن ومودة وبناء للأسرة السليمة، وأن من أهم فضائله العظيمة إنجاب الولد والذي إذا صلح بإذن الله كان امتدادا لأجر الأبوين بعد الممات قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له» صححه الألباني .فلو تأملنا لوجدنا أن الله -سبحانه وتعالى- جعل لنا أسوة حسنة بالأنبياء فمع تحملهم لتبليغ الرسالة كان لهم أزواج وذرية قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً).
*.
إن تعدد الزوجات يعد بابا من هذه الأبواب في القضاء على العنوسة والعزوبة ولكن ألا ترى أخي المبارك أن مساعدة الشباب على الزواج أكثر نفعا وأجل قدرا وأكثر شمولية من التعدد؟ وذلك من حيث إعفاف كلٍّ من الشاب والفتاة هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التعدد مهما وصل فليس كل الناس يستطيعونه ويتحملون مشقته وأعباءه.
أيها الشاب الكريم: أرعني سمعك لأعلمك الحقيقة وهي أنه من خلال بحثي وتأملي في مثل هذه القضايا وجدت أن من أهم أسباب العزوف عن الزواج بالنسبة للشباب هو نقص التوعية الصحيحة وليس قلة المادة كما يزعم البعض حيث يأخذ الشاب بعض التجارب من الأزواج الذين أخفقوا في زواجهم والذين لا يقدرون الحقوق الزوجية سواء كانت لهم أو عليهم مع العلم أني أعزو ذلك إلى عدم التحاقهم بالدورات التدريبية والتوعوية التي تسبق الزواج أقول: فيجعل الشاب هذه التجارب نصب عينيه فيحجم عن الزواج خشية الفشل وخشية المشقة وخشية التكاليف الباهظة كما تصور ذلك مع العلم أنه يوجد من الأسر الكثيرة ولله الحمد التي ترغب بالشاب العفيف الطيب ولو بذلوا من مالهم مساعدة له أقول: فيترك هذا الشاب الزواج ظانًّا أنه هو الحل الأمثل والأسلم له سبحان الله! فأين أنت أخي المبارك من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:» ثلاثة حق على الله عونهم، وذكر منهم المتزوج يريد العفاف» أخرجه الترمذي، والحق هنا بمعنى أنه سبحانه وتعالى قد تكفل بأن يغني الناكح الذي يريد العفاف فهل يشك مسلم في وعد الله؟ الله أكبر. ولا يمنع هذا طبعا من اتخاذ الأسباب مع توفيق الله ولا ننسَ التوعية الأولية من قبل الوالدين لمثل هذا الشاب والتي هي من باب أولى فبعض الآباء لا يكلف نفسه النظر في حال أبنائه وبناته وكأن رعايته لهم تنتهي عند توفير المستلزمات المألوفة كالأكل والملبس ونحوه ولم يعلم هذا الأب المكافح أنه إذا لم ينصح لأبنائه ولمن تحت يده بما يسعدهم بالدارين يكون غاشا لهم ويحرم من دخول الجنة كما قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» رواه مسلم.
أيها الشاب الكريم: اعلم أنه في عصرنا الحاضر كثر الظلاميون المفسدون الذين ينفثون سمومهم عبر وسائل الإعلام بمختلف شرائحها يروّجون لتأخير الزواج إلى ما يسمى بالنضج وتحمل المسؤولية ومعرفة الشريك لشريكه وغير ذلك من ثقافة الغرب البائدة. ولم يعلموا أنهم وقعوا في تناقض عجيب مع دراساتهم وبحوثهم ومن ذلك ما أثبتوه من خلال بحوثهم ودراساتهم حول صحة الأطفال ونجابتهم وأن الأبناء الذين ولدوا من آباء كبار السن كانوا أقل ذكاء من الأبناء الذين ولدوا لآباء صغار السن و أن الزواج المبكر يساعد الشاب على ثبات الفكر وعدم تشتيته بل ويعد من أهم العلاجات النافعة للقلق النفسي والاكتئاب حيث تكمن المشاعر الجياشة والحب المتبادل بالصدق والكرامة. أيها الشاب المبارك: إن من أراد السلامة والحصن الحصين بإذن الله فلا مجال له بعد الله إلا بالزواج ليعف نفسه ويبتعد عن المهلكات فإن لم يستطع فعليه بالصوم والابتعاد عن الفتن والشهوات ما أمكن لأن الابتعاد التام عن هذه الفتن قد لا يتحقق إلا بالانعزال الكلي عن الحياة العامة وهذا هو الإشكال الذي وقع فيه كثير من الناس
أيها العلماء الأفاضل بينوا فضل الزواج وحثوا عليه في مجالسكم وفي دروسكم حتى تبرأ ذممكم أمام الله فالشباب اليوم مستهدفون وبنار الشهوة يحترقون إلا ما رحم ربي وما نراه اليوم و نسمعه من كثرة اللقطاء لنذير شؤم إن لم يتدارك.
أيها التجار الأخيار: أين زكاة أموالكم التي سوف يسألكم ربنا عنها؟ وأين الصدقات التي ترجون ثوابها ألا تنفقونها في مثل هذه الأوجه فتكون لكم زكاة وأجرا عظيما ونصحا للأمة، ألا ترون أن الواقع أليم وأن الوضع مخيف وأن الشاب ضعيف وأن الفتنة قائمة؛ فالأمل بالله ثم بكم أن تضعوا أيديكم بأيدي الشباب فتمدوا لهم يد العون وتنصحوا لهم وتجتهدوا في ذلك لننجوا جميعا من الطوفان فأرو الله من أنفسكم خيرا وابذلوا من أموالكم ما ترون فضله في دنياكم وآخرتكم.