الاختلاف في الرزق بين الناس سنة من سنن الله في خلقه، فمن خلق الله، من بسط الله له الرزق ووسعه، ومنهم من قدر عليه الرزق وضيقه، فهذا غني وسع الله له في الرزق امتحاناً، وذاك فقير ضيق الله عليه في الرزق ابتلاء، ولحكمة قسم الله الأرزاق بين عباده، كل حسب ما يتوافق مع علم الله المسبق بما يصلح لحال هذا وذاك، ولهذا لا يسع الإنسان العاقل المؤمن إلا الرضا والتسليم بما قسم الله له، وعلى الكل أن يسير شؤون حياته بما يتوافق مع الحال التي هو عليها، الغني يحمد الله ويتعامل مع غناه بما يجب عليه من عطاء وإنفاق، والفقير عليه أن يرضى ويتكيف مع ما يتيسر له من معينات يسير بها حياته حسب قدرته، لقد رفع الله بعض الناس فوق بعض درجات، وفاوت بينهم في الرزق، كي يتخذ بعضهم بعضا سخريا في الأعمال التي يحتاجها هذا من ذاك، وذاك من هذا.
الأغنياء كثر، لكن الفقراء أكثر، للأغنياء أحياء يسكنونها، وللفقراء أحياء تعرف بهم، كما حال الكرة الأرضية، الأغنياء يسكنون شمالها، والفقراء في جنوبها، الأغنياء يتمتعون بكل ما يرغبون من ضرورات الحياة وكمالياتها، والفقراء عاجزون عن تلبية حتى أبسط الضرورات وأقلها كلفة، الغني ينفق في رحلة شهر صيفية، ما يكفي إعاشة عشر أسر فقيرة مدة عام كامل، الغني مطالب بالإنفاق من ماله وفق تشريعات صريحة واضحة، منها الملزم مثل الزكاة، ومنها الخياري مثل الصدقة، ومعلوم أن أوجه الإنفاق الملزمة تتم وفق اعتبارات شرعية تأخذ في الحسبان حال المنفق عليه وكونه من المشمولين شرعا بذلك، أما أوجه الإنفاق الخيارية فسرية مرنة، ومع ذلك فهي ثقيلة على النفس تتم على استحياء وبالقليل قدرا وقيمة، وعلى الرغم من قلة الفرص التي تجود فيها النفس في الإنفاق الخياري، إلا أن تلك الفرص لا تخلو من وسوسة الخوف من التحايل والكذب، فتضعف النفس وتتردد وقد تحجم عن الإنفاق مع العلم بفضل من ينفق بحيث لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
طلبت من أحد الأثرياء أن يتبرع ببناء مدرسة لتحفيظ القرآن، وسوف يعلق اسمه فوق بابها، رفض هذا العرض الذي لا يتردد عن قبوله إلا بخيل محروم، أتدرون ما مسوغ الرفض عنده؟ إنه الخشية من تحول المدرسة إلى مدرسة لتعليم الغناء والموسيقى، انظروا إلى الورع، إلى المدخل الشيطاني، قلت له: نظام التعليم في المملكة لا يقر تعليم الغناء بكل صوره، قال : وما يدريك؟ قد تتبدل الحال وتنقلب الموازين، صرفت النظر عن إقناعه بعد أن تبين أن الشيطان ينطق على لسانه، ويزين له حب جمع المال وكنزه، وكره إليه الإنفاق في أوجه الخير وشوهها في عينه، هذه حالة نادرة، والنادر نشاز لا حكم له ولا اعتبار.
نحمد الله أن جل الأغنياء خيرون محبون للإنفاق، يبحثون في كل سبل الفضل التي تفضي إلى العون والمساعدة، وهم بحاجة إلى من يعينهم ويساعدهم ويرشدهم إلى ذوي الحاجة من الفقراء والمحتاجين، وهو أمر صعب جدا، وخاصة في المدن الكبيرة، ففي عيد الفطر يعاني الناس من البحث عن المستحق لزكاة الفطر على الرغم من كثرتهم، البعض لا يعرف أماكن هؤلاء، وكذا الحال في عيد الأضحى عند توزيع هدي الأضاحي.
إنه لمن المحزن جدا، أن يكون بيننا من لا يستطيع شراء أضحية بسبب قلة ذات اليد، أو لا يفرح بإهداء في عيد الأضحى، لهذا لعل جمعيات البر الخيرية، وهي الأمينة والمطلعة على حال الكثير من الأسر الفقيرة أن تضع آليات وسبلا للتواصل معها في مواسم الخير، لأنها هي الجهة الأعرف و الأقدر على مد الجسور بين الأغنياء والفقراء، فمثلا لو أن جمعيات البر الخيرية في المدن خصصت سيارات مجهزة تقف عند الجوامع في كل حي، ليلة عيد الفطر وصباح يوم عيد الأضحى كي تجمع ما يجود به الناس من زكاة الفطر وهدي الأضاحي، ومن ثم يسار في توزيعه على الأسر المشمولة بالرعاية، لسهلت جمعيات البر على الناس، ويسرت وحققت فضلا وتكافلا بين أفراد المجتمع بصورة حضارية تضمن التواصل السهل السريع بين الأغنياء وذوي الحاجة، فهل تبادر وزارة الشؤون الاجتماعية للنظر في هذا الإجراء؟.