جاء في تقرير «فوربس»: «إن -الملك- عبد الله، يقود أكبر دولة فيها احتياطي نفط في العالم، ويشرف على أكثر الأماكن قداسة في الإسلام، مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولدى دولته شركة تقدم خمس إمدادات النفط في العالم. هو القائد الذي يدفع باتجاه إصلاح اجتماعي، وقضائي تدريجي في دولته. ويستطيع في الوقت نفسه المحافظة على علاقات طيبة مع كل التيارات في المملكة، وهو الذي أسس هيئة البيعة». وفق هذه المعطيات العلمية، والإحصائيات الدقيقة، تم اختيار -خادم الحرمين الشريفين- كثالث أقوى شخصية في العالم، من ناحية التأثير على مستوى الأحداث.
يأتي هذا الاختيار، امتدادًا لترشيح صحف دولية، ومجلات عالمية، ك صحيفة «الإندبندانت» البريطانية، ومجلة «تايم» الأمريكية، ل (خادم الحرمين الشريفين) ضمن قائمة الزعماء، والقادة الأكثر ثأثيرًا في عام «2007م»، من حيث الاستقامة والصراحة والوضوح. وهو مؤشر مهم، يدل على مدى الاحترام، والتقدير الذي يحظى به -حفظه الله- في كل المحافل الدولية، من حضور يتسم بقوة التأثير والمصداقية؛ لما يبذله من جهود في خدمة الإنسانية -كافة-، وإحلال السلام والأمن الإقليمي والعالمي، إضافة إلى جهوده الواضحة في مسارات التنمية.
إن الرسالة التي أراد -خادم الحرمين الشريفين- إيصالها للمواطن، بعد أن تسلَّم أعلى مسؤولية في المملكة، هي: إن طريقة تفكيرنا يجب أن تتغير، دون أن نغلب العاطفة على العقل. وألا نخضع لضغط الواقع وإحباطه، بل نسير بخطى ثابتة. ونراجع برامجنا وعلاقتنا بما يتناسب مع متطلبات المرحلة، ومتغيرات الأحداث والمستجدات. فالعالِمَ لا يحترم إلا الأقوياء، -لاسيما- وأن المصالح المشتركة بين الدول العربية، هي التي تجمعنا. فقوة عدونا تكمن في ضعف الدول العربية، وكلما انسحبت الدول العربية عن الساحة، والتأثير فيها، فإن الآخرين سيقومون بملء الفراغ، بما يتوافق مع مصالحهم، وأجندتهم الخاصة.
على أي حال، فإن -خادم الحرمين الشريفين- يُعدُّ أحد أبرز القادة السياسيين في العالم. وإنجازاته على صعيد المشاركة الفاعلة، والمبادرة المؤثرة؛ من أجل دعم الأمن والاستقرار العالمي، وتعزيز روح التعاون بين الشعوب، من جهة. ومن جهة أخرى، فإن ما يقوم به من تطوير وإصلاح وبناء اقتصادي في البلاد، واضحة بشهادة المنصفين. مما زاده تقديرًا وإعجابًا، ومنحه حضورًا وتميزًا، حيال العديد من قضايا المصير العالمي والعربي، التي منها:
اتفاق مكة.. وحلم المصالحة:
كانت المملكة العربية السعودية، ولا زالت، وستبقى -بإذن الله- اللاعب الأساسي في الساحتين -العربية والإسلامية-، برضا وموافقة الأطراف العربية الأخرى، التي باركت الجهود السعودية الناجحة في تهيئة الأجواء، لاتفاق مكة التاريخي. ومن هذا المنطلق، دعا -خادم الحرمين الشريفين- قادة الدول العربية إلى لقاء عاجل في مكة المكرمة؛ لبحث حل يوقف الاقتتال فيما بينهم. وقال -حفظه الله- : «ادعوهم جميعًا لا فرق بين طرف وآخر، إلى لقاء عاجل في وطنهم الشقيق المملكة العربية السعودية، وفي رحاب بيت الله الحرام؛ لبحث أمور الخلاف بينهم بكل حيادية، دون تدخل من أي طرف آخر؛ لنحقق لأمتنا العربية والإسلامية أحقيتها في قضيتها، ولنصل إلى حل يرضي الله -سبحانه وتعالى-، ويحقق آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق، والشعوب الإسلامية والعربية، وكل من آزر القضية ودعمها».
فطيلة حوالي عام من نشأة الأزمة الفلسطينية، التي ترافقت مع تشكيل حكومة حماس، مددت أيادٍ كثيرة؛ لمساعدة الفلسطينيين في الخروج من محنتهم، لكنها كانت تصطدم بالكثير من العقبات. وإن كان الوسطاء السابقون، قد حققوا كثيرًا من الإنجازات التي قام عليها اتفاق مكة، إلا أن هذا الاتفاق يحسب إنجازًا للمملكة العربية السعودية، التي تعمل على مبادئ وأسس سياسية -عربية وإسلامية ودولية- ثابتة، منذ تأسيس هذا الكيان العظيم، الذي أسسه جلالة -الملك- عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله-، حيث تتلخص هذه المبادئ والأسس بالمصداقية، وعدم التدخل في شؤون الغير، ومساعدة الأشقاء والأصدقاء، لما فيه خير الأمتين -العربية والإسلامية -.
وقد كانت دعوة -خادم الحرمين الشريفين- الأخوة الأشقاء من القيادات الفلسطينية، إلى بيت الله الحرام، وفي شهر الله الحرام، على أرض العرب، ومهبط الوحي، وقبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بالغ الحظوة والتقدير من كل النابهين للأخطار التي تتربص بالأمتين -العربية والإسلامية-، من كثير من قوى الشر المحيطة.
لقد كان حلم -خادم الحرمين الشريفين-، أن يتفق أطراف الأزمة الفلسطينية على عدد من الأمور الأساسية. أولها: تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس. وثانيها: تحقيق الوحدة الوطنية، ومنع الاقتتال الفلسطيني مهما كان الثمن، أو المبرر. وثالثها: الاتفاق على البرنامج السياسي للعمل الوطني. ورابع هذه الأمور، هو: إحياء منظمة التحرير الفلسطينية؛ لتكون مظلة شاملة لكل الفلسطينيين.
-وبالتالي- فقد بدأت حقبة تاريخية جديدة للنضال الفلسطيني؛ من أجل الحرية والاستقلال، حيث إن اتفاق مكة بين حركتي حماس وفتح، كان سيمهد الطريق أمام أول حكومة وحدة وطنية حقيقية. وسيتيح لجميع الفصائل إعادة بناء المجتمع، بعد الدمار الذي جلبه الاحتلال الإسرائيلي. واستئناف حملة؛ من أجل الحقوق الوطنية. وكان سيشق الطريق؛ لإعادة بناء السلطة الفلسطينية، وضم جميع الأطراف؛ لتصبح الممثل الشرعي لكل الشعب الفلسطيني إذا أحسنت النيات.
وفي مقابل ذلك، كان -خادم الحرمين الشريفين- ينادي المجتمع الدولي، بأن يغتنم هذه الفرصة التاريخية، ويطالب إسرائيل باحترام حقوق الفلسطينيين، والتوقف عن مساعيها الرامية؛ للحيلولة دون تحويل اتفاق مكة إلى واقع، مما قد يتسبب في إقصاء كل الفصائل الفلسطينية. كما كان ينادي الغرب، بأن يصحوا ويدركوا أن الوقت لم يُعدُّ في صالح إسرائيل، وسياسات الاحتلال، والتدمير، والتوسع. -وبالتالي- لن يكون هناك سلام، أو استقرار في المنطقة، دون تسوية القضية الفلسطينية. ولن يتحقق ذلك دون إنهاء الاحتلال، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
مشروع المصالحة العربية الشاملة:
استطاع -خادم الحرمين الشريفين- أن يجمع كلمة العرب، في القمة العربية الاقتصادية، التي انعقدت في الكويت، في: «23-1-1430هـ». وأن يقرب وجهات النظر فيما بينهم، فاحتوى الخلافات -العربية العربية-، ونقلها من غرفة الإنعاش إلى إعادة الحياة للعلاقات. فشكلت تلك المصالحة بحق، اختراقًا في ملف المصالحة -العربية العربية-، بتجاوز مرحلة الخلاف بين العرب. وكانت مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك، وحجر زاوية؛ لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. وإنجاح أي عمل عربي مشترك في المستقبل، وفق رؤية إستراتيجية عربية موحدة، وانتهج أسلوب الحوار والتشاور، والابتعاد عن إثارة الفتن والتصعيد، ولغة التهجم والتوتر، ونبذ القطيعة والخصام؛ من أجل أن يبلور إرادة واعية بأهمية المرحلة المقبلة، فلا مكان للمزايدات السياسية، أو التنابز اللفظي بما لا يليق.
وفي إطار حرص -خادم الحرمين الشريفين- على جمع الكلمة، ووحدة الصف، ورأب الصدع، ولمّ الشمل، تم في: «2 مايو 2007م»، التوقيع على اتفاق ثنائي؛ لتطوير وتعزيز العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية تشاد في الرياض. وفي شهر رمضان من عام «1428 هـ»، عقدت بقصر المؤتمرات في جدة، الجلسة الختامية لمؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية، وجرى استكمال التوقيع على اتفاق المصالحة الوطنية الصومالية.
وحدة العراق.. ومخاض الحكومة العسير:
أدراك -خادم الحرمين الشريفين- معاناة الشعب العراقي، واستهدافه في وعيه، ببنود اتفاقيات تملى عليه من الخارج، ومؤامرات تحاك ضده. منها: ما تمس بشكل كبير سيادة العراق على أرضه، ومياهه، وسمائه. وما يتعرض له العراق من قتل وتدمير يومي، حوّلته إلى ميدان للصراع الطائفي، وتصفية الحسابات. وما يعانيه -أيضًا- في ظل توجسات، ومخاوف تهدد الأمن الداخلي. -إضافة- إلى مساحة الفراغ الكبير للخريطة السياسية الذي يعيشه العراق، -لاسيما- وقد تأخر حسم تشكيل الحكومة. كل ذلك أدى إلى تعقيد المشكلة، بدلاً من حلها. وفرخت أزمات جديدة، أكثر تعقيدًا وخطورةً. وتلك مؤشرات لا تعطي أي ضمانات؛ لحماية العراق من أي اعتداء خارجي، أو حماية نظامه الديموقراطي من أي خطر داخلي، أو خارجي.
ومن هذا الأساس، فقد توجه هم -خادم الحرمين الشريفين- إلى هدف وحدة العراق، من منطلق الحرص على المساهمة في تحرك العراق نحو المستقبل، بما يضمن استعادة دوره في المنطقة. ودعا الفرقاء السياسيين للاجتماع في المملكة، تحت مظلة جامعة الدول العربية؛ للتوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، والمساهمة الفعالة على كلمة سواء.
*****
غداً..غداً..
غداً تسليط الضوء على مبادرات خادم الحرمين الشريفين حول حوار أتباع الديانات ومواجهة تحدي صراع الحضارات بالإضافة إلى جهوده - حفظه الله- في بناء الإنسان السعودي علمياً وفكرياً وحضارياً وبرنامج الابتعاث الخارجي والسمات الحضارية الرائدة التي جسدت ما اتصف به - رعاه الله.
*باحث في السياسة الشرعية