كلمةٌ مضيئة نطقت بها الفطرة السليمة، والسجية الكريمة على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -جمع الله له بين الأجر والعافية-، كلمة جاءت على سجيّتها سلسلة لا تكلّف فيها، وكانت في موقعها طُرفَة ستظلّ مرافقة لمصطلح «عرق النساء» كلّما جرى ذكره عند الناس الذين رأوا هذا الموقف، وسمعوا هذه الكلمة. إنها كلمة «ما رأينا من النساء إلا كل خير».
إن المرأة الواعية الصالحة الكريمة مصدر كل خير، حقيقة لا يختلف عليها أحد ولا تنتطح فيها عنزان -كما يقول المثل- الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي النساء خير كثير، وفي الرجال خير كثير، والنساء كما ورد في الحديث الشريف شقائق الرّجال، والرجال العقلاء يعرفون قيمة النساء، ويقدّرون هذه القيمة، ويحرصون على أن تكون المرأة عنصر بناء في المجتمع، فيفتحون لها القلوب، ويرفعون مقامها في النفوس، ويصدّون عنها غمزات وهمزات شياطين الإنس والجن، وفي شرع الله الحكيم من تحقيق معاني تكريم المرأة، وعدم إهانتها، وعدم الزجّ بها في ميادين الحياة زجّاً يعرّضها لفتن أصحاب النفوس المريضة ما لا يخفى علينا جميعاً.
نعم يا أبا متعب «ما رأينا من النساء إلا كل خير» وهنّ يحملن لواء الفضيلة، والتربية السليمة للأجيال، والرعاية النفسية والعاطفية للرجال من آباء وإخوة وأزواج، والرعاية المالية أحياناً إذا كُنَّ ممن منَّ الله عليهن بالمال والغنى، وهذا واضح تماماً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّتها» وما أظنّ قانوناً بشرياً قديماً أو جديداً اهتدى إلى هذا المعنى العظيم في تكريم المرأة ورفع مكانتها حتى أصبحت «راعية» صاحبة مكانة وسُلطة في منزلها «مملكتها العظيمة» كما أن الرجل راعٍ في مجالاته في الحياة.
إن كلمة الفطرة السليمة بكلّ ما فيها من إضاءة السجيّة لا تخرج عن هذا المعنى الشرعي الصحيح، وهذا ما قصد إليه خادم الحرمين الشريفين كما هو واضح في سياق كلامه الجميل الطريف.
نعم -يا أبا متعب- المرأة عنصر خير في المجتمع السليم، ولقد كان والدك الملك عبدالعزيز يجسّد هذا المعنى حينما كان يردِّد «أنا أخو نورة» وهو معنى يسير في المسار نفسه حينما نرى جامعة كبيرة تحمل اسم الأميرة نورة وهذا ما تعارف عليها مجتمعنا العربي المسلم الذي يتعامل مع المرأة تعاملاً راقياً في ظلِّ شريعة الإسلام، وأي إساءة إلى المرأة في المجتمع المسلم إنَّما هي انحراف عما شرع الله مهما كانت مسوغاته من عادات وتقاليد المجتمعات.
وما زلت أذكر قيمة المرأة في مجتمع القرية والمنطقة التي نشأت فيها في منطقة الباحة، فأخو جدّتي لأمي «عوضة القاسم» وهو بطل معروف في وقته من أبطال القرية كان إذا انتخى في أي موقف من المواقف يقول «أنا أخو مسفرة» فإذا قالها عرف الناس أنه قد جدَّ عنده الجد الذي لا هَزْل فيه، وأعرف بيوتاً كثيرة ما تزال إلى الآن تحمل أسماء النساء، فهذا بيت بن عزَّة، وذلك بيت بن ملحة، والآخر بيت بن رافعة، وغيره بيت بن شريفة وهكذا دواليك.
ولقد نشأت أنا وإخوتي مع والدتنا -رحمها الله وغفر لها - بعد وفاة والدنا، وقد لبست ثياب الصبر والعزيمة والتصميم على البقاء مع أولادها لرعايتهم وخدمتهم وتعليمهم - مع أنها كانت في غاية الراحة والرفاهية في حياة الوالد - رحمه الله وغفر له - ولكنها شمَّرت عن ساعد الجد، وامتطت صهوة حصان الصبر وانطلقت في رعايتنا تشد عليها حجابها المضيء الذي لم تزده أعاصير المتاعب ورياح العناء إلا ثباتاً، فكان حجابها يزداد تشبُّثاً بها كلما زاد حصان العزيمة انطلاقاً، وكان جدي رحمه الله يقول: أم عبدالرحمن عندي بألف رجل، وأنا على يقين أن والدتي أنموذج واحد ينضمُّ إلى عشرات الأنموذجات النسائية المضيئة في الماضي والحاضر والمستقبل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد قالت الفطرة الكريمة السليمة كلمتها عبر وسائل الإعلام المختلفة على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -منَّ الله عليه بالشفاء- فتحية له كأنفاس الربيع حينما يحركها الوسميّ في واحات نجد وروضاتها الغنَّاء.