نقلت وكالة الأنباء السعودية (الرسمية) خبراً جاء فيه: (امتدح صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم رئيس جمعية الكشافة العربية السعودية عمل مرشدات الكشافة في التعامل مع الأطفال التائهين، حيث قال سموه إنه فخور بمشاركة المرأة السعودية في عمل إنساني وصفه بالكبير). في حين حرّم أحد أساطين التحريم والممانعة في المملكة ممارسة المرأة لهذا العمل التطوعي النبيل بحجة حرمة الاختلاط، وكالعادة قفز هذا الشيخ إلى الحرمة دون أن يقدم دليلاً، سوى قوله جل شأنه: ?وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا?؛ وقوله تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ?. ولا يشك عاقل أن قفزه إلى هذه الأدلة (العامة) دليل عجز وقصور، فلا أحد يختلف مع جوهر الآيتين الكريمتين أبداً، غير أن ما تقوم به هؤلاء الكشافات لا يختلف إطلاقاً عن عمل المرأة في عصر الرسالة، وفي كل العصور الإسلامية؛ وليس لدي شك أن هؤلاء المتعصبين المأزومين، مثل صاحب هذه الفتوى المتعصبة، يدركون أن المرأة في عصر الرسالة، وفي العصور التي بعدها، كانت تشارك الرجل في مثل هذه الأعمال التطوعية، أعمالاً لقوله جل شأنه: ?وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ? . والتاريخ مليء بمثل هذه النشاطات لمن أراد القياس دون أن يكون له غايات أخرى؛ ثم إذا لم يكن عمل الكشافات في الحج، وفي غيره من المجالات الإنسانية الأخرى، تعاوناً على البر والتقوى، فكيف يكون التعاون إذن؟
وسيبقى مثل هؤلاء الدعاة المتعصبين يفتون ويحرضون ويجعجعون، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح؛ فالوقع الذي نعاصره يشهد أموراً وممارسات كثيرة كان المتعصبون قد حرموها في الماضي، وجعجعوا حولها، وبقيت بينما انتهت ممانعات أسلاف هؤلاء إلى سلة النسيان. المهم ما يُطبق على الأرض، أما ما يقوله (المجعجعون) فستذروه الرياح حتماً مثلما ذرت غيرها من الفتاوى المنغلقة.
ونحن أبداً لا نطلب من صاحب الفتوى، أو من أمثاله ممن يدورون في فلكه، أن تشارك نساؤهم في مثل هذه الفعاليات (الإنسانية) المتحضرة، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإنما نأبى وبكل ما نملك من قوة أن يمارس علينا دعاة التشدد وصايتهم، ويفرضون تخلفهم، خصوصاً أن بعضهم يُناقضون ما يفتون به في منازلهم التي (تعج) بالاختلاط بين الرجال والنساء، في مشهد لا يُقدم عليه من لديه ولو قدرٌ قليل من الحياء. مارس حياتك كيف شئت، ولكن لا تفرض على الناس (تناقضاتك)؛ فما تعتقد أنت أنه الخطأ (بعينه) نحن نرى أنه ليس كذلك بالضرورة، بينما نرى أن تناقضاتكم، وما تبيحونه لأنفسكم من وراء أسوار منازلكم هو (الخطأ)، بل و(العيب) الذي لا يختلف عليه أحد.
بقي أن أقول إن إيراد وكالة الأنباء السعودية الرسمية لخبر مباركة وزير التربية والتعليم عمل الفرقة الكشفية النسائية في الحج يقول مباشرة بالمختصر المفيد: إن الدولة تبارك هذه النشاطات النسائية المتحضرة، أما جعجعة هذا أو ذاك فليست في نهاية المطاف أكثر من مجرد عاصفة في فنجان. وهذا في رأيي أبلغ رد على مثل هذه الفتاوى المأزومة وغيرها.
إلى اللقاء.