منذ التاريخ المكتوب للجزيرة العربية وهي تمر بدورات متتابعة ومتقاربة من المجاعات والدهور الممحلة تتسبب في هجرات جماعية نحو الشمال الشرقي، حيث بلاد الرافدين، ذات التراث المدني والحضاري الضارب في أعماق التاريخ والاستقرار السياسي والرخاء المستمر المدعوم بنهري دجلة والفرات والأراضي الخصبة والمراعي اليانعة.
وخلال السنوات الخمسين الماضية جثم على العراق مزيج بئيس من الحكم العسكري والاستبداد والحزبية الشمولية أدى إلى تفكك عرى المجتمع وتهجير الكفاءات وتردي التنمية، ثم تعرض العراق لغزو عسكري ضارٍ دمَّر ما بقي من بنيته الأساسية.
والآن يبدو أن العراق على أعتاب التعافي والنهوض من جديد بعد أن أشرقت شمس الحرية والتعددية وبدأت جيوش الاحتلال بالتواري والانسحاب. إن كل الدلائل تشير إلى أن العراق سيُدشن قريبًا مرحلة من النمو الاقتصادي السريع في اللحظة التي تتشكل فيها حكومته شبه الائتلافية، ومن ثم ستبدأ رحلة العودة للكفاءات العراقية المُبدعة اللاجئة حاليًا في الأردن وسوريا مُضفية المزيد من الزخم على تلك المسيرة المُنتظرة.
يحتاج العراق إلى أكثر من تريليون دولار لإنشاء بنية أساسية عصرية، ولن يكون توفير ذلك المبلغ بعيدًا في ظل انخفاض مديونية الحكومة حاليًا ووجود احتياطيات ضخمة من النفط عالي الجودة منخفض التكاليف وفوائض من السيولة لدى البنوك والمؤسسات الدولية المُقرضة. وعندما يدور دولاب التنمية سيستهلك العراق كميات هائلة من الخامات والمواد والمصنوعات الموجهة للبنية الأساسية مثل الحديد والنحاس والإسمنت والفخار والقار والبتروكيماويات، ومن حسن الحظ أن هذه المنتجات متوفرة بكثافة في المملكة لاسيما بعد تهدئة ما يسمى بمشاريع التحفيز الاقتصادي. وسيحتاج العراق إلى خدمات المقاولات والتمويل والتأمين والاستشارات، وهذه أيضًا ستُوجد فرصًا تجارية مُغرية للشركات السعودية. إضافة إلى ذلك سيكون العراق سوقًا واعدة للمنتجات الصناعية الاستهلاكية السعودية.
وستكون السلع والخدمات السعودية في موقف تنافسي قوي في السوق العراقية بسبب العامل الجغرافي والثقافي والانخفاض المُتوقع في سعر صرف الريال مقارنة بالعملات الأخرى عدا الدولار.
بعد أربعة أشهر تقريبًا سينعقد في بغداد مؤتمر القمة العربي الدوري، وسيسعى العراقيون إلى استثمار هذه المناسبة لتقديم العراق الجديد للعرب.
أعتقد أن على الجهات الحكومية ذات العلاقة العمل على وضع خطط جاهزة للتعامل اللوجستي مع تلك التطورات المُرتقبة، كي لا يكون قطاع النقل والمواصلات مثلاً عائقًا أمام اقتناص فرص ثمينة، كما أن على الصناعيين والتجار السعوديين ممثلين في الغرف التجارية الصناعية مراقبة الساحة العراقية بعيون الصقر.