ليس أصعب على المرء من أن يودع من يغليه وبخاصة حين يكون بسبب رحلة علاجية، فكيف إذا كان من يودعه هو عبد الله بن عبد العزيز، الذي سكن حبه في وجدان شعبه، وظل كل مواطن يتابع حركاته وسكناته كظله، وبكثير من الإعجاب والتقدير، ممزوجاً بشعور من الثقة والاطمئنان على أن وطناً يقوده هذا القائد الملهم سيبقى بخير، وأن مواطناً ينضوي تحت قيادته وتوجيهاته لن يشعر بما يكدر خاطره أو يثير في نفسه الخوف والقلق من المستقبل الذي ينتظره.
***
عبد الله بن عبد العزيز لم يكن بتجربته وحكمته ونظرته للإنسان والحياة، وتفهمه للمستجدات والتطورات، إلا زعيماً استثنائياً قادراً على التفاعل والتأثير والتأثر، والتعامل مع مجريات الحياة بما تمليه مصلحة الوطن والمواطن، دون أي تهاون أو تردد ولو تطلب منه ذلك كل وقته وراحته وصحته.
***
ولم يكن الملك عبد الله بإنجازاته وإصلاحاته وما رافق حكمه صاحب مواقف طارئة، وإنما كان يحمل فكراً متجدداً في كل موقف انحاز إليه، أو قرار اتخذه، أو توجه ارتآه، ودائماً هو قارئ جيد للآتي فإذا به يستعد له بما يمليه ضميره واقتناعاته وحرصه على المصلحة العامة وما تؤديه من خير للوطن والمواطن.
***
هكذا رأينا أسلوب عبد الله بن عبد العزيز في إدارة الدولة، وحماية مصالح الشعب، قرارات في الصميم، وشخصيته مهابة، مع الحق قولاً وفعلاً، ومن صفاته أنه يتميز بأنه نصير للفقراء والمساكين، ولا يتردد في الانتصار لمن له حق أو تعرض لمظلمة من المواطنين والمقيمين، فظل في سويداء القلوب، يتمتع بهذه الشعبية الاستثنائية لدى شعبه وأمته.
***
كثير من الكلام يمكن أن يقال عن إصلاحاته، وعن مواقفه الإنسانية، وكثير من الكلام عن إنجازاته في الداخل والخارج يمكن أن يكتب عنها، لكن ما لا يمكن أن يبلغ المرء الرضا في حديثه عن هذه الشخصية إذا ما اختصر كل ما قام به هذا الزعيم في كلام قليل وفي بضعة سطور، تعليقاً على حدث، أو تأييداً لمنجز تنموي أو غير ذلك، بينما إنجازاته وإصلاحاته ومواقفه تحتاج كل منها إلى كلام طويل وكثير، وهذا ما لا تستطيع أن تلم به كلمات عابرة أو تعليقات محدودة.
***
لكن يمكننا اختصار الكلام عن كل منجز تحقق على يديه من خلال الإشارة إلى التأييد الشامل من مواطنيه لسياسة هذا الملك العادل، لما تمثله شعبيته لدى شعبه من رمز لحبها وتعاطفها مع عبد الله بن عبد العزيز، وهي وإن لم تغن عن كلام كثير يجب أن يقال وأن يتناول كل جانب مضيء في أعماله، إلا أنه يمكن أن ينظر إليه على أنه ومضة حب حقيقي وصادق ومخلص لهذا الملك الذي تحبه جموع شعبه الوفي.
***
إننا إذ نودعه اليوم وهو يغادر الوطن ليستكمل الفحوصات للعارض الصحي الذي يشكو منه، فإننا مطمئنون - ولله الحمد - على أن فترة بقائه في الولايات المتحدة لن تطول، وأنه سيعود قريباً بكامل صحته وعافيته، لنسعد جميعاً برؤيته وهو يواصل إدارة الدولة ومصالح الشعب على النحو الذي يستجيب لتطلعاته وآماله ويتفق مع آمال شعبه وأمته العربية والإسلامية.
***
دمت يا خادم الحرمين الشريفين في رعاية الله وحفظه، فأنت حبنا الكبير، مَن إذا ذكر اسمك تذكرنا ما تحقق على يديك من إنجازات، ومَن إذا قيل عبد الله بن عبد العزيز قفز إلى أذهاننا هذا التطور الهائل الذي شهدته المملكة خلال فترة حكمك ملكاً للمملكة العربية السعودية.
