(بل لقد وصل الأمر ببعض الأزواج بتخيير زوجاتهم بين بطاقة الصراف، وبين بقائهن في البيت) ...
هذا جزءٌ من مقال نشرته الجزيرة للأخت نورة العلي من القريات، تلومني فيه على عدم حديثي عن استيلاء بعض الأزواج على راتب الزوجة، وتستغرب تركيزي في مقال (دناءة نفس) على بخل بعض النساء وعدم مشاركتهن في الجانب الاقتصادي في الأسرة.
آلمني سؤالك عزيزتي نورة وكأني لم أكتب يوماً أستثير في النساء قوّتهن وإنسانيتهن لينتصفن الحياة مع الرجال ويقرّرن ماذا يردن وماذا لا يردن.
لا يلزم أن تنشغل النساء بإصلاح حال بعض الرجال، إنّ من الأصلح والأجدى والأنفع أن ننشغل بإصلاح حال النساء، وكيف يبدين قوة وكرامة وإحساساً بأنهن يملكن القدرة على تغيير أوضاعهن، وذلك أيسر من بذل المجهود الذي كثيراً ما يذهب سدى في تغيير تفكير بعض الرجال.
المرأة التي لا تستمر حياتها مع رجل إلاّ بمقابل مادي تدفعه كمستأجرة... هي حالة شاذة وشوهاء، هي امرأة فقدت معنى الإحساس بالعزّة والكرامة، أظن المجتمع وخطابه الذكوري الذي يقوم على أنّ ذلّ بيت الزوج خيرٌ من كرامة بيت الأهل، وما يندرج تحت هذه الفكرة من أمثال شعبية وحكايات ساذجة اختلفت عن لقمة الزوج مقبولة ولقمة الأهل ممنونة، ودمعة في بيت الزوج ولا ضحكة في بيت الأهل.. وهلمّ جرا من الأمثال التي لا تختلف عن ظلِّ راجل ولا ظل حيطة، وغيرها الكثير التي صاغتها الثقافة الذكورية لتناسب وضع المرأة القديم، حين كانت تنتظر اللقمة من كدِّ الرجل وعرقه، لكن على النساء اليوم أن ينتجن خطابهن الخاص القائم على القوّة، حيث تمثل المرأة اليوم شريكاً اقتصادياً, لذا ترين يا نورة كل هذا الضجيج الذكوري التقليدي يتصاعد، مع كل خطوة جديدة تقتحم فيها المرأة ميادين جديدة للعمل، لأنّ في اتساع قاعدة شراكتها الاقتصادية تهديد للتقديس الذكوري الذي ظلّ على مدى قرون مستبداً مهيمناً، كونه المتفضّل المعطي والمُطعم.
المرأة التي تعطي زوجها بطاقة الصراف كي تبقى زوجة له وأماً لأبنائه، بحاجة ماسة لجلسات علاجية مركّزة تعيد لها شعورها بقيمة الإنسان داخلها، هي بحاجة لأن تتخلّص من إرث ثقيل وباهظ كانت تجلس فيه المرأة أجيرة تنتظر زوجها العائد من مزرعته أو دكان نجارته أو حدادته، حتى يفرغ من قصعة طعامه لتغسل له يديه قبل أن تمد يدها لبقايا مأكله، هذه الكوميديا السوداء بحاجة لمعالجة نفسية مركّزة تخلّص هذه المرأة من بقايا الزمن التالد، تعيد تأهيلها لتقرّر لنفسها ولأبنائها حياة كريمة، لتفاجئ زوجها بفيلا أنيقة تستأجرها من بطاقة صرافها المستردّة، تحمل أبناءها معها وتقول له من خلف الباب حين تعرف تتعامل مع النساء وفق شرع الله حيّاك الله...!!
على النساء المستضعفات ألاّ ينتظرن دعماً من أحد، لأنه دعم لن يتحقّق إلاّ بجهدهن وإدراكهن لحقوقهن المكفولة لهن شرعاً وانتزعنها بأنفسهن كلّما استطعن لذلك سبيلاً، هذا سيؤسّس حتماً لعمل تراكمي يعمل على تحسين وضع المرأة دون صدامات غير محسوبة مع الممانعين المستفيدين من بقاء المرأة على ما كانت عليه.