سأحدِّثكم عن حزن غامر أطبق ثقله على مدننا وقرانا وأريافنا عندما أعلن الديوان الملكي عن وعكة الملك عبد الله.. وسأحادثكم أيضاً عن الفرح الهادر عندما أطلّ علينا الملك عبد الله ليطمئننا على صحته يتوكّأ على عصا الصحة ضاحكاً مبتسماً، يعتذر من الجميع على لحظات الاعتلال والعارض الذي وخز الأطراف والغضاريف وتحسّس العصب. جاء الملك يعتذر لهذا الشعب المحب له على سويعات الأوجاع... وفي تلك اللحظة فتحت سجلات ودفاتر هذا الملك العظيم، الذي سعى منذ أن كان في الحرس الوطني، إلى بناء الإنسان والتوطين وتحويل الأفواج وجيش الإمام المؤسّس الملك عبد العزيز - رحمه الله - والهجانة والمتطوّعين، إلى جنود وقيادات نظامية تعمر معسكراتها بالمدن وحياه الحاضرة. ونقل فكرة الهجر والتوطين والمعسكرات وطوّرها برؤية حديثة، إلى بناء الإنسان وبناء المدن في محورين متلازمين ليوازن في عملية البناء: محورها الأول بناء الجامعات بأساتذتها وطلاّبها ومدنها الجامعية في المناطق والمحافظات. وفي محورها الثاني المدن: الاقتصادية والصناعية والصحية ومراكز المال والهياكل الإدارية والتنظيمية في الوزارات.
الحزن الذي عشناه على وعكه الملك عبد الله، وصل صداها لأبنائنا خارج الحدود، وهؤلاء الطلاب المبتعثون لهم حكاية أخرى مع الملك عبد الله لأنهم (جيل العبد الله) الذي فتح الملك - بعد توفيق الله - لهم أبواب الجامعات الغربية والأمريكية، فتح لهم جامعات أوروبا والأمريكيتين وأستراليا والصين واليابان... هؤلاء المبتعثون من الطلاّب الطالبات الذين تجاوز تعدادهم (100) ألف، ومتوقع أن تصل أعدادهم (200) ألف، يحملون في دواخلهم حباً متدفِّقاً للملك عبد الله، لأنه سعى إلى تميُّزهم وإكسابهم معارف وعلوماً بصيغة مختلفة عن طروحات الداخل، وخصّص لهم ميزانية طوال مدة دراستهم، لا تتأثر بالمتغيّرات المالية أو المصروفات والإيرادات، كما خصّصت لهم وزارة التعليم العالي وكالة في جهاز الوزارة لشؤون الابتعاث ومشروع الملك عبد الله وعزّزت بملحقيات لرعاية الطلاّب، وجعلت الوزارة البرنامج مفتوحاً لجميع الدرجات العلمية: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
طلاّب الابتعاث أو (جيل العبد الله)، غمرهم الحزن على الملك الذي لم يبخل، ولم يلتفت للأصوات التي ترى أسلوب التقتير والتحجيم من الابتعاث وقصره على طلاّب وتخصصات ودرجات علمية محدّدة... كما أنّ هذه الأصوات كانت لا تؤيِّد التوسُّع بإنشاء الجامعات في المحافظات، وتؤيِّد الإبقاء على جامعات المناطق فقط... الملك عبد الله يرى أنّ النجاح هو مساعدة الآخرين في تحقيق أحلامهم وطلاّبنا وطالباتنا لهم أحلام وطموح يتجاوز حدود جامعات الداخل، ويأملون بفرص أكثر نجاحاً من فرص الداخل في التعليم، وأنّ خطوة الملك عبد الله بالدّفع بحوالي (200) ألف طالب وطالبة في الجامعات الغربية والأمريكية، هي بناء لدولتنا التي تتطلّع إلى أن تكون أنموذجاً في محيطها الإقليمي.. وأيضاً استيعاب لروح جديدة من جيل انفتح على العالم عبر وسائل الإعلام، لكنه غير متّصل جغرافياً وتعايشاً مع هذا العالم الجديد.
مثل مشاعر أبنائنا في الخارج تجاه وعكة الملك عبد الله، فإنّ هناك أبناءً في التعليم العام يتطلّعون إلى مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم لتشملهم رياح التغيير، يذكرون الملك عبد الله بالمدارس الحديثة ذات الطراز المعماري المفتوح، وبتعدُّد فرص القبول في الجامعات واستيعابهم بعد التخرُّج... طلاب على مقاعد الدراسة في التعليم العام والتعليم العالي، تابعوا الوعكة الصحية بإفراط شديد وشغف، لأنهم يرون في الملك عبد الله النور والمشعل الذي يقودهم في نفق المعرفة الطويل، حتى يصلوا إلى باحات وردهات المعرفة، لينافسوا الشعوب الأخرى على التطوير وخدمة أوطانهم.