إن الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ تتمثل في كل وقت ومكان وفي وسائل عدة وكل بحسب ما قدر الله له ويسر ومن ذلك الدعوة بالقدوة والعمل الحسن مع أن ذلك هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وأكده بعد ما بعث قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: كان خلقه القرآن. بل لم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم فحش بالقول أو الفعل في الجاهلية فكيف بالإسلام، بل لقب صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين قبل بعثته.
أيها المربي الفاضل: اعلم أنك داعية في بيتك وفي عملك وفي سوقك ومدرستك وفي اختلاطك مع الناس عموما ومع أبنائك خصوصا حتى ولو لم تتكلم حيث يدعوهم منك هنا حسن الخلق وحسن المظهر وحسن التبسم وحسن التواضع وحسن الاحترام لهم من حيث فن الاستماع وبذل النصيحة والفرح بالخير مع التبريك لهم بل ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم حسيا مع رفع الحزن عنهم قدر المستطاع بالفعل إن أمكن وإلا بالدعاء والمناصحة حتى ولو كانوا صغارا فهم بالتأكيد سيقلدونك سواء شعروا بذلك أم لم يشعروا فتلك الدعوة المؤثرة والباقية في عقولهم بلا شك.
أخي المبارك: كم من مرب ناصح سواء كان أبا أو معلما أحب أبناءه عمله فاستنوا به وساروا على منهجه ففاز بأجر لم يكن في حسبانه وفي الحديث الذي رواه مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ). وهذا الحديث يحفز بلا شك على فعل الخيرات والنصح لكل مسلم ويحجم الشر وانتشاره لمن كان له عقل يعمل به. فبادر أيها المعلم الصالح بالدعوة واستثمر الفرص المتاحة لك في ذلك فأنت تبقى دائما الحكم وسيد الموقف وأنت بلا شك من يضع معالم الطريق في حياة الطالب وسلوكه ويصنع الأهداف العظيمة مع رسم الخطة للوصول إليها عن طريق معرفة ما يحتاجه الطلاب من خلال المنهج والأنشطة المصاحبة لها الصفية وغير الصفية ولربما كان ما تطرحه أيها المعلم المبارك من علم وتربية أعظم عند الطالب مما يتعلمه من والديه ومن إخوانه. وهذا والله هو المشاهد. فمكانتك في عينه ونفسه لا يوازيها مكانة واحذر أن يغرك المثبطون الذين يزعجهم الناصحون من حولهم والمؤدون لأماناتهم فمثل هؤلاء منهجهم باطل يعتمد على المادة فقط وعلى العمل دون الروح وعلى الأداء دون الفاعلية فهم كالجمادات من الآلات ونحوها ومن ذلك التثبيط أن يذكروك بما يحصل للمعلم في بعض الأحيان من قلة الاحترام وضعف التقدير وسوء الخلق من طلابه. فأقول لمثل هؤلاء والله لو صدقوا الله وأخلصوا النية لرزقهم الله القبول وليسر لهم العمل المبارك ولرزقهم الله متعة التعليم الذي يفتقدها بعض المعلمين اليوم وللأسف الشديد. وأقول لهم أيضا انظروا لتعليم الرسول لصحابته الكرام فقد كان يقول لهم: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم....» الحديث خرجه أبو داود، فهل وعى المعلمون التعليم بالأبوة؟ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}) وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً»، فبادر أخي المعلم أن تكون رباني المصدر قال تعالى: وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} وأن تكون والدا لطلابك محبا لمهنتك متبعا لمنهج رسولك صلى الله عليه وسلم وأن تكون واسع الاطلاع والمعرفة واسع الأفق ودودا متواضعا ورحيما حكيما وفصيحا جادا وصيتا. أيها المعلم المبارك: احرص أن يكون لشخصك وهندامك وقارا ولدرسك مثالا يوضح المعنى ولتعبيرك جمالا يشد الطالب ولموضوعك مدخلا وقصة ليسهل فهمه وعلمه ولكلامك معانٍ كبيرة تتجلى في الحاضر والمستقبل فيحترمك الصغار قبل الكبار ولنظرتك رؤية وفطنة تغرس بواسطتها الفضيلة وتنزع الرذيلة. أيها المعلم الفاضل: من الوسائل المتاحة لك في الدعوة إلى الله هي في استغلال أوقات الفراغ وحصص الانتظار، والإذاعة الصباحية، والمصلى والمسابقات والرحلات المنضبطة والمعتمدة وما يتخللها من البرامج والأنشطة، وإن أردت تعديل السلوك المشين فعليك بالصبر أولا ثم بمراقبة طلابك في الفصل والساحات العامة وأثناء الفسح حتى تزرع البذرة الطيبة في مكانها وتنزع البذرة السيئة من الكلام والأفعال وإن أردت العمل التربوي الناجح فعليك بالنصح والإرشاد مع اللين والدعاء دون استخدام العنف والتهديد والصراخ... وذلك لأن المقصد هو تعديل السلوك داخل المدرسة وخارجها وليس فقط داخل المدرسة. فحسن التعامل والملاينة مع السلوكيات غير اللائقة أدعى لقبولها، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ} وقال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» رواه مسلم، وحول هذا المعنى يقول عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: «قومه ما استطعت بالقرب والملاينة؛ فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة». وكذلك ينبغي للمعلم الصالح ذو المنهج الرباني أن يتابع الطالب في إجادته للوضوء لصلاة الظهر وفي أدائها وذلك عن طريق التشجيع والتحفيز مع ربطهم بمراقبة الله عزَّ وجلَّ دون اللجوء إلى العقاب والتوبيخ وبهذا نجعلهم يواظبون على أداء الصلوات الأخرى من تلقاء أنفسهم فصلاة الظهر تعد أنموذجا يحتذيه الطالب في بقية الصلوات. ولقد زرت مدرسة في إحدى المناسبات والتقيت بأحد المعلمين الأفاضل وكان يتحدث عن وجوب الصلاة ونحو ذلك فاستأذنته وقمت معلقا على ذلك وشاكرا له جهده وللطلاب حسن الاستماع وكانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا ثم طرحت سؤالا عليهم وقلت لهم كل واحد منكم يخرج ورقة صغيرة فيكتب فيها هل صلى الفجر في جماعة أم لا؟ دون ذكر الاسم حفاظا على مشاعرهم فتفاجأت بسبعة من الطلاب لم يصلوا الفجر حتى الآن. بل كانت أعذارهم تتمثل بخوفهم من التأخر عن المدرسة! سبحان الله. ولعلي أترك لك أيها الأخ المبارك التعليق والمساءلة عن آبائهم في تقصيرهم هذا مع ملاحظة قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَسْتَرْعِى اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً؛ يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» أخرجه مسلم.