لا خلاف في أن الدين الإسلامي بقيمه النبيلة، وتشريعاته العظيمة، إنما جاء ضمن أهدافه السامية ليهذب السلوك البشري، وينقله من ربقة الفوضى والانفلات إلى دائرة الالتزام.. وما لم تنعكس تلك القيم على سلوك الإنسان وتعامله مع الآخرين فإن خللاً ما قد شاب فهمه للدين، إذ إن الدين والتدين ليس مظهراً نتقمصه أمام الآخرين.. بل هو سلوك وممارسة عملية، هذه مقدمة ضرورية للولوج إلى رسالة إحدى الأخوات والتي رمزت لاسمها ب(أم فيصل).. وقد بعثتها إليّ طالبة مني نشرها وإبداء الرأي فيها.. تقول القارئة الكريمة: «أنا سيدة تقدم إليَّ العديد من العرسان، فرفضتهم، وحين تقدم إليَّ أحد الرجال الذي يبدو من مظهره أنه على درجة من التدين وافقت ظناً مني أن التدين ضمانة لعدم ظلمي وغمط حقوقي، ومضت السنة الأولى.. وبعد أن أنجبت منه طفلي الأول بدأ الرجل يتغير، ولم يعد ذلك الإنسان الذي فضَّلته على الكثيرين, رغم علمي أنني الزوجة الثالثة له، وطلقني دون ذنب، وبعد فترة اتصل بي طالباً مني العودة بشرط أن يكون زواجنا هذه المرة (مسياراً)، وبعد تفكير وافقت باعتباره والد طفلي الوحيد والذي أريده أن يعيش تحت رعايته، ولم يمض وقت طويل حتى حملت ثانية، ولما علم بذلك انتابه الغضب وطلب مني (إجهاضه) أو الطلاق, فرفضت وتم الطلاق، وها أنا أكتب إليك لتتعظ من قصتي كل فتاة من «المتلبسين» بالتدين وهو عنهم براء!!» انتهت رسالة «أم فيصل».. وقد اختصرتها بما لا يخل بصلب الموضوع، والحق أن هناك قصصاً كثيرة سمعتها عن هؤلاء الناس الذين يتخذون من التدين ذريعة للإيقاع بالنساء.. متذرعين بفتاوى أنكرها جمع من العلماء الثقاة تتيح لهم الزواج بنية الطلاق.. أعرف أن هذه العينة لا تمثل الدين، كما أنها لا تمثل المتدينين الحقيقيين، فالتدين ليس مظهراً.. بل هو سلوك سوي، وتعامل كريم، ونفس أبية تأبى أن تلحق الظلم بالآخرين، التدين ليس ثوباً نلبسه.. بل هو ممارسة فعلية تترجمها الأقوال والأفعال، ولنا في رسول الله القدوة الحسنة (كان خلقه القرآن) كما قالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها.. السؤال: أين يهرب هؤلاء (الممثلون) حين تشهد عليهم ألسنتهم، وأفئدتهم، وأرجلهم وحواسهم لتفضحهم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون؟.. ألم يسمعوا بقوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (49) سورة الكهف، وأنت يا سيدتي «أم فيصل» اصبري، وثقي بأن الله سينصفك ويقتص لك ممن ظلمك.. «وعند الله تجتمع الخصوم»!!