تبقى المرأة مدرسة متكاملة البناء - رغم الإخفاق التي وصمها بها (حافظ إبراهيم) - قبل سبعة عقود تقريبا، حين علّق عليها أسباب تأخر التعليم في الشرق برمته، حين قال:
من لي بتربية النساء فإنها
في الشرق، علة ذلك الإخفاق
ولأن المجتمع المصري بالذات حينذاك كان يعيش فترة انتقالية بعد تحرره من ربق الاستعمار، ويعيش مرحلة صراع كبيرة بين من يسمون بالمحافظين ودعاة الانفتاح، بسبب ذلك كله استطاع المثقف العربي، وهو يساند الفئة التنويرية أن يمرر على العقلية العربية منذ ذلك اليوم إلى يومنا الحاضر بيتاً آخر من القصيدة نفسها، بل هو السابق في بناء النص:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها
أعددت شعباً طيّب الأعراقِ
لم نزر محضناً من محاضن التربية، ولن نشهد احتفاء تكون المرأة هي محور حضوره إلا ويصك مسامعنا هذا البيت الشارد، وكم تخيلت في أكثر من مناسبة لو أن ذلك الشاعر امتدت به الحياة إلى يومنا الحاضر، ماذا سيقول بعد أن تسلّمت المرأة العربية في الشرق العربي أكثر من موقع قيادي، وأسندت إليها قضايا كبيرة، ومهام جسيمة كان العنصر الذكوري سابقا هو المستحوذ عليها، والممسك بزمامها، ولم يحقق شيئا مذكورا، وبخاصة في التاريخ الحديث، لذا لم يكن مستغربا أن تنتهز المرأة الفرصة، وتحاول أن تستعيد شيئا من مجدها السابق إبان عصور الازدهار، وتنتشل الجيل المحبط من إخفاقات الرجل، وما تبع ذلك من نكبات وانتكاسات في المجتمع العربي في أكثر من محور، وفي أكثر من قضيّة.
أعود للتساؤل الذي سيظل جوابه مبهما ومحيرا بالنسبة لي، لماذا حفظنا البيت (الثاني) وعقلناه ووعيناه، وتركنا (الأول) الذي يستبطن هجاءً صريحا وسافرا، أهي العاطفة وراء ذلك؟ أم الخوف، أو عدم القناعة بمحتواه، بالنسبة لي، لا أتصور اكتشاف ذلك، أو القدرة على تحليله وتفسيره وتعليله حتى أتحرر من قيود الوظيفة، وقيود الموقع، حينذاك، ومتى كان لنا نصيبا من الحياة سينطلق الفكر حين يبتعد عن هموم العمل ومشاغله، شأني شأن غيري من الناس الذي يظل أسير المهنة ومتطلباتها، ويستشعر وصاية المجتمع على حركاته وسكناته.
*لا يضير المرأة العربية أن تسمع هذا التناقض (الأم مدرسة)، (المرأة علة الإخفاق)، هذا النقد هو الذي يدفعها للعمل، ويشدها للإبداع، ويحفزها للإنتاج، نعم لتستفيد من أخطاء الرجال، إن كان هناك ثمة أخطاء في تعليمهم، أو في تربيتهم، لتبتعد كل البعد عن الأمجاد الوهمية، والإنجازات المجانبة للواقع، والبعيدة عن المصداقية، أو لنقل المبالغ فيها التي قدمها الرجل، وأوهم بها مجتمعه، متناسيا أن التاريخ، وإن غفا كتابه في بعض الفترات، سيستيقظ في بعضهم الضمير الحي، وهو يرصد مسيرتنا في الحياة، ويقيمها كأدق ما يكون عليه التقييم .
بطبيعة الحال، نتفق أو نختلف في جدارة أيّ من الجنسين، لكن الجميع يتفق على هذه الإلتفاتة:
إن ّ الشجاعة في القلوب كثيرةٌ
ووجدتُ شجعان العقول قليلا
وإذا النساء نشأن في أميّةٍ
رضع الرجالُ جهالةً وخمولا
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا