يحكي لنا كبار السن من قاطني جدة، قصة تلك السفينة القادمة من إندونيسيا، تحمل على متنها الحجاج والمعتمرين، وفي حوزتهم مالذ وطاب من طعام وشراب، يفرح الأهالي بمقدم تلك السفينة ويتلقفون البضائع التي تحملها.....
..... بالشراء، السفينة ذاتها كانت تحمل في رحلة عودتها أولئك الباحثين عن الثراء من شباب جدة، الراغبين في خوض غمار تجربة جديدة، إنها تجربة التجارة في إندونيسيا التي كانت تمثل لشباب ذلك الجيل حلماً جميلاً قد يدفعون في سبيل تحقيقه ما أمامهم وما وراءهم.
تدور عجلة الزمان، تحملنا معها لحاضر رغيد، وعيشة كريمة في هذه البلاد الغالية، ونشهد نحن وأبناؤنا قصة الطائرة التي تقلع من ذات الوجهة، تحمل على متنها فتية وفتيات دافعهم هو رغبتهم للعمل كسائقين أو كعاملات منزليات، هرباً من الفقر وسعياً لطرق أبواب رزق بعيدة عن وطنهم، المحفز هو اختزال الزمن نحو تحقيق «تحويشة العمر» ثم العودة لوطنهم من جديد بعد قضاء سنتين أو ربما تزيد، يكونون خلالها جزءاً من نسيج المجتمع ويتشربون كثيرا من عاداته وتقاليده، إنهم يمثلون رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، ثقافة مختلفة لا يمكن تجاهلها.
وبين رسوّ سفينة وإقلاع طائرة، حقبة زمنية لايستهان بها، قصصٌ تستحق أن تروى، تحولاتٌ بحاجة ماسة إلى تمعن، وأعتقد أنه من خضم تلك القصص يجدر بنا أن نخرج بوعي مجتمعي متطور، عنوانه الأسلوب الأمثل حول كيفية التعامل مع الوافدين والوافدات.
أيها القراء الأعزاء، إن كل عامل وافد ومثله كل عاملة، هم في النهاية عبارة عن قصة سوف تعكس صورتنا نحن السعوديين لدى الآخرين سلباً أو إيجاباً، وأكاد أجزم بأن قصص الإيجاب في التعامل مع العمالة الوافدة تضاهي قصص السلب ولله الحمد، وما السلبي من تلك القصص سوى ظواهر فردية، وفي زمن الفضاء المفتوح والمعلومة السريعة والصحافة الرقمية، وكشعب لمملكة عنوانها الإنسانية، فذلك يحتم علينا أن نكون إنسانيين في تعاملاتنا مع هؤلاء، أن يكون هدفنا طائرات تقلع من مطاراتنا حاملة معها قصص الذكرى الطيبة لهذه البلاد وأهلها.