كيف يقرأك الآخر..؟
يبادرك السؤال بكيف، في حين تكون على يقين بأن الناس ليسوا سواسية في كل شيء، بما في ذلك قدراتهم، وقناعاتهم، ومواقفهم، واتجاهاتهم..
ذلك لأن قراءة الآخر لك تعني: ما مخزونه من المعرفة والثقافة، والعلم..، تعني: ما قدراته في الملاحظة، والإدراك، والفهم, والاستيعاب،.. ثم هي ما مقدراته من اللغة في شمول معانيها, ودلالاتها, وبلاغتها، وبيانها..
على أن قراءة الآخر هي في المجمل تفسيره لمقاصدك وتوظيفه لنواياك، وتشكيله النهائي للحكم عليك وفق كل ذلك الذي هو مكنونه وتكوينه ومقدراته، لا أنت..، فأنت حين تقول جهراً أو كتابةً، أو تعبيراً بأي وسيلة إبلاغ أو تواصل، فإنك في موقف المعطي ما عندك، أما هو فإنه المتلقي لما أعطيت.. ويكون جواب سؤالك عن كيف أخذ هو، ما أعطيت أنت..، منبثقاً عن كل ذلك الذي هو تكوينه, ومقدراته،محوراً تفسيره، ومن ثم موقفه منك بعد قراءته لك..
الكتَّاب يختلف حولهم قارئوهم بناء على ذلك، تماماً كما يختلف المتحدثون مع بعضهم مواجهة، غير أن قائل الكلمة المكتوبة، لا يعطيه صمتها وإن نطقت، مجالاً للحوار المباشر،الذي يؤهل كاتبها من شرح ٍحول جزئيات، قد تغيب عن إدراك، أو استيعاب الآخر، ويبقى في دائرة التفسير الخاضع لمقدرات قارئها،.. إذ ليس هناك رأي قاطع لأي قارئ يتلقى ما يقرأه بما في أولئك من نقاد، ومفسرين، وذوي رأي، يتلقون ما يقرؤون فيقفون مما يقرؤون وفق تلك المقاييس الخاصة بهم..
من هنا، عند قراءتك ما يقول المتلقون على اختلافهم عما يقرؤون، لا تقف موقف المستسلم، المتلقي بلا تفكير، المسلم بما يقولون، فهناك خلف قراءاتهم تفسيرات للمقاصد والنوايا، بل للجودة والضعف، بل للتأثير والخلو منه، لأنهم يبقون في النهاية بشراً خارجين عن سمة الكمال، تتنازعهم أهواء النفس تارة، كما تحكمهم تارات أخر مقدراتهم المعرفية، والثقافية، والعلمية، بل قدراتهم ومهاراتهم في الفهم والإدراك والاستيعاب لما تحمله لغة المكتوب، وبلوغ مكنونها. إن المطلق في النهاية، أن لا مصداقية تامة في حكم المتلقين لك، القارئين أفكارك، المدلين بآراء فيما تقول، وإن جاءت مرضية لك،..
ثم لا تنس أنك في موقفهم ذاته، عندما تتبادل الدور، فتكون في موقف القارئ غيرك... سيأتك السؤال منهم: كيف تقرأهم..؟ حينها سيعرضونك على المحكات ذاتها: ما تكوينك ومقدراتك المختلفة..؟