في عالمنا العربي بل والغربي أيضاً ولربما في سائر بلدان المعمورة لم نسمع أو نرَ كيف تتدفق الجماهير الهائلة إلى قصر حاكم أو مسؤول كبير إلا بقصد الاحتجاج أو التنديد أو الهتاف بخلعه. وإذا ما أرادت الجماهير -عفواً- الحكومة أن تحشد الجماهير لتأييد القائد أو الهتاف بإنجازاته أو احتفاء بمولده اللاسعيد أو ذكرى تنصيبه اللامجيدة، فإن الحكومة ممثلة بحزبها أو مخابراتها هي التي تقرع الأبواب على الناس للخروج لهذه المناسبة أو أن تعطي أوامرها لزبانية السلطة أن يقوم كل واحد منهم بإبلاغ المنطقة أو الحي المسؤول (أمنياً) عنه بضرورة الخروج (الإجباري) لإحياء تلك المسيرات، والويل كل الويل لمن يتأخر أو يتلكأ أو يغيب لأي سبب كان. كل ذلك ليوهم الحاكم العالم بأن له شعبية هائلة. هكذا هو الحال بالنسبة لأغلب دول العالم الثالث بالذات والمحكومة بسلطة الحزب الواحد أو الفرد الواحد، والأمر الواحد. أما بالنسبة إلى مملكتنا الغالية فهذه المظاهر الجماهيرية الكاذبة لا محل لها لدى عقلية حكامنا آل سعود -حفظهم الله-، فالجماهير هي التي تأتي طائعة من تلقاء نفسها تدفعها المحبة الحقيقية لحكامها والولاء الصادق لهم والتعبير النبيل عن مدى حبهم لهذه الأسرة الغالية. تذكرت هذا التناقض المبهج حقاً وأنا أتوجه إلى قصر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في حله وترحاله وكم هالني مشهد الألوف المؤلفة من البشر من مختلف الأصناف والقبائل والحواضر والبوادي وكافة قطاعات المجتمع السعودي الكريم، تلك الجماهير التي جاءت من كافة أنحاء المملكة للسلام على سلمان فقط. والاطمئنان على صحته، لا يدفعها إليه إلا ما ترك بأفعاله ومواقفه وإنسانيته وعطفه وكرمه في نفوس تلك الجماهير من أثر لا يُنسى. أقول، تذكرت ذلك وتذكرت أيضاً أنني مررت بقصره العامر ذات يوم ولم أشهد الجماهير التي تعودت أن أراها تتجه إلى القصر وكذلك لم أقرأ في الصحف اعتذاراً منه كالعادة لعدم استقباله الناس، ولم تأتِ نشرة الأخبار الرسمية أو الصحف بشيء عن غيابه المفاجئ، حينذاك هاتفت الصديق متعب بن فرزان أحد (أخويا الأمير) فقال لي إنه في رحلة خاصة وسيعود قريباً -بإذن الله-، ساعتذاك انهمر الشعر قبل الدمع وقلت:
يممت صوب القصر ما شفت ديوان
يوم الاثنين اللي اعتدنا نجيله
جموع تأتي بين حضر وبدوان
ودكاتره وشيوخ علمٍ جليله
تكفى يابن فرزان طمني الآن
وين الذي ما بالبسيطه مثيله
كحيلاننا كحيلان ياهو كحيلان
نسل الجواد اليعربي والكحيله
مكانته بالروح أيضاً ووجدان
ومحبته بين الضلوع النحيله
وأكنّ له مع الوفاء كل عرفان
ومواقفه بالعمر عندي نبيله
قال ابشر انه بالقنص طير حوران
اللي بهدّاته يصيد الجزيله
يضني أجوالاً ثم يرجع للأوطان
سالم وغانم بعد مده قليله
الله يحفظ من على نجد سلطان
أبو فهد وأيام عمره طويله
قيل لي فيما بعد أو بالأصح قال لي طويل العمر نفسه إن القصيدة كان لها التأثير البالغ على أقرب الأحبة إليه، واليوم ونحن نحتفي بمجيئه لا يمكننا إلا أن نقول إنه في القلوب دوماً إن حل أو رحل.