طفت على السطح قضية الخادمة الإندونيسية في المدينة المنورة، وتعذيب كفيلتها لها. لا شك أن سوء حظ الخادمة الإندونيسية أوقعها في خدمة امرأة مريضة نفسياً، فسامتها سوء العذاب. صحيح أننا يجب ألا نأخذ حادثة فردية ونعممها على جميع السعوديين؛ فما حصل لهذه الخادمة هو بالتأكيد ضرب من ضروب الاستثناء؛ غير أن هذه الحادثة رغم استثنائيتها توجب علينا أن نعيد قراءة الأنظمة والقوانين المتبعة في المملكة، التي تحكم علاقة الوافد بالمواطن، ونبحث عن حلول أخرى تُجنِّب الوافد إلى البلاد (احتمالية) أن يقع فريسة لهؤلاء المرضى النفسيين من السعوديين، وفي الوقت ذاته تتيح للمواطن أو للمنشأة عمالة متى ما احتاجها. فالوافد أياً كان عِرقه أو دينه أو جنسه هو إنسان؛ وبمجرد أن يقيم بيننا فإن القيم الإنسانية والأخلاق والعدل تحتم علينا حمايته والتعامل معه ورعاية حقوقه بكل إنصاف. والسؤال الذي لا مناص من طرحه في هذا السياق: هل نظام الكفالة المعمول به في المملكة، والذي يحكم العلاقة بين الوافد وصاحب العمل نظام عادل وإنساني ويأخذ بعين الاعتبار مثل هذه الاحتمالات؟
الإجابة بمنتهى الصراحة هي (لا).
وكنت قد سبق وكتبت في هذه الزاوية أطالب بأن تتولى كفالة العمالة الوافدة شركات مساهمة، تعمل بشفافية وتحت رقابة الدولة، بدلاً من الأفراد؛ بحيث تنتقل إليها (جميع) كفالات الوافدين، وتكون هذه الشركات هي المخولة حصرياً باستقدام وكفالة العمالة الأجنبية، وبالذات العاملين والعاملات في المنازل، وتكون –أيضاً- هي المعنية ليس فقط بدفع حقوقهم المالية، وتوفير العناية الصحية لهم فحسب، وإنما بحمايتهم كذلك من تعدّي وتعسف أصحاب الأعمال؛ كما حصل –مثلاً- للخادمة الإندونيسية. وأكاد أجزم أن مثل هذه الشركات سيكون لها –أيضاً- أعمق الأثر في تنقية أسواق العمل في مدن المملكة من العمال المتطفلين على تخصصات يجهلونها؛ فالسائق سيستقدم على أساس أنه سائق، والسباك، والكهربائي، وبقية التخصصات كذلك.
ولا أدري لماذا تصر وزارة العمل على هذا النظام المجحف رغم أنه سبب كل المشاكل التي يعاني منها المواطن والوافد على السواء، ناهيك عن أنه –أيضاً- السبب الرئيس لتكدس العمالة السائبة في الأسواق، والتي هي عالة على اقتصاد البلاد؛ إضافة إلى كون هذه العمالة أحد أهم أسباب المشاكل الأمنية والسرقات والنصب والاحتيال وغيرها من الجرائم الأخلاقية التي نعاني منها أمنياً.
ومن فوائد وجود مثل هذه الشركات، أعني شركات الاستقدام والتوظيف، أنها ستقضي على ظاهرة أولئك المواطنين (الطحالب) الذين يتاجرون بالعمالة، ويستثمرون كونهم كفلاء بفرض إتاوة مالية على العمالة الأجنبية، في تصرف لا يمس للأخلاق ناهيك عن قيمنا الإسلامية بأي صلة.
والجدير بالذكر هنا أن نظام الكفالة كان معمولاً به في البحرين والكويت وتم إلغاؤه؛ كما أن قطر –أيضاً- تدرس إمكانية إلغاء هذا النظام كما صرح بذلك رئيس وزرائها؛ وحسب علمي فإن إلغاء هذا النظام في البحرين والكويت لم يترتب عليه أي سلبيات تدعونا إلى الإصرار عليه، أو حتى التردد في إلغائه؛ فلماذا نصر عليه إذن؟
إن بقاء نظام الكفالة كما هو عليه دونما تغيير في عالم يصغر يوماً بعد يوم، وتتقارب أجزاؤه، وتذوب الفوارق بين شعوبه، وتتعالى فيه قيم وحقوق الإنسان، سيكلفنا الكثير؛ فوجوده يسيء كثيراً لسمعة المملكة وقيمتها على المستوى الدولي؛ خصوصاً وأننا نرفع شعار (مملكة الإنسانية)!
إلى اللقاء.