لم يكُفّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن مشاغلة الرأي العام العالمي منذ جولاته المبكرة زمن الانتخابات وحتى انتخابه رئيسًا أسود لأقوى دولة في العالم، هذه المشاغلة بدأت في خطاباته، في حركاته، في سكناته، وحتى في احتجاجه على ذبابة أزعجته ذات لقاء مباشر على قناة فضائية، وقتله لها، لتثور ضده جمعيات حقوق الكائنات الحية والميتة على حد سواء، هذا الرئيس الذي جاء من ثقافات متنوّعة، من أفريقيا (حيث يعيش والده) وآسيا (حيث عاشت أمه مع زوجها الإندونيسي) وبالطبع أمريكا حيث عاش حياته وشبابه ونشاطه السياسي، جاء إلى السلطة كمؤلِّف وصاحب كتابين مهمّين: أحلام من أبي، وجرأة الأمل. الأول يكشف حياته الأسرية وطفولته، والثاني يكشف رؤيته تجاه الحلم الأمريكي، لكنه عاد إلى النشر كمؤلِّف حتى وهو رئيس دولة عظمى، فأصدر كتابًا للأطفال، نعم كتاب أطفال اسمه «عنك أغني» قدمه إلى ابنتيه متحدثًا عن ثلاثة عشر شخصًا أمريكيًا عظيمًا، ما بين عالم وفنانة ولاعب كرة سلة... إلخ.
كنت أفكّر لو أنّ زعيمًا عربيًا فكّر أن يكون مؤلفًا كيف يمكن أن يكون؟ وعمّ سيؤلف؟ ومن سيؤلف له؟ حتمًا سيكون الكتاب يتناوله كأعظم زعيم في العالم، وستصل به حالة البارانويا إلى اتهام العالم كله في التآمر ضده، وأنه هو من صنع وخلق وأوجد كل ما حوله، وأن يصبح روائيًا بأقلام الآخرين، ويسجل روايته باسم: كاتبها، تواضعًا وتعففًا، وحتمًا ستحمل عناوين عدائية من نوعية: اخرج منها يا ملعون، لا من نوعية تحمل في معانيها: الأحلام والأمل وما شابه.
ولكن المستحيل هو أن يكتب زعيم عربي كتابًا للأطفال، فهل يعقل هذا؟ هل يتواضع ويهبط من عرشه ليكتب قصة لحفنة من الأطفال؟ هذا محال، فهو أكبر من ذلك، لأنّ من يقصّ على الأطفال هن العجائز والجدّات، أما هو فيقص على الشعوب طبعًا، ويقتص منها أيضًا، وليت الأمر في التعالي على الأطفال يتوقّف على الزعماء، بل حتى المثقفون يتعالون على الطفل وأدبه، ويعتبرون من يكتب للأطفال هم من أرباع الموهوبين، ويستصغرون من يكتب للأطفال، ويعتبرونه كاتبًا من الدرجة الرابعة أو حتى العاشرة، وهو من سقط المتاع، وهو زائد عن الحاجة!
ما أن قرأت خبر صدور كتاب أوباما للأطفال، والذي قدّم فيه ثلاث عشرة شخصية مؤثرة في التاريخ الأمريكي، جعلت أضرب أخماسًا في أسداس، وأفكّر لو تم الإعلان عن مسابقة تأليف كتاب للأطفال بين الزعماء العرب، عمّ سيكتب هؤلاء؟ وكيف سيفكرون؟ وكيف سينظرون إلى الأطفال العرب كقرّاء؟
هل سيكتبون عن التصويت لهم بالأغلبية؟ أم عن الجوع والفقر ونقص الغذاء وإهدار حقوق الطفولة؟ هل سيكتبون عن المتاجرة بالأطفال أم عن أطفال الشوارع وجهلهم؟ وعن أي شخصيات مؤثرة في بلدانهم سواهم سيتحدثون؟.
أعتقد أنّ المسابقة ستفشل، لأنّ هؤلاء لا يتقنون سوى التحدث لأنفسهم، لكن الأكيد هو شعور كتّاب الطفل بالفخر، أن دخل إلى ناديهم رئيس برتبة مؤلِّف أطفال، ليشعر كلاً منهم بأنه أصبح مؤلِّف أطفال برتبة رئيس دولة عظمى!.