مضى على مقال د. خيرية السقاف المعنون بعنوان: (لتبقى الجذوة فيهم!) أكثر من خمسة عشر يوماً! لكن مازال فكري يرنو لحروفه ويخاطب مفرداته كلما غادرته!. أقرأه وأنتهي.. فما ألبث.. إلاّ أن أعود لقراءته مساءً. سلبني كثيراً ولامس مكامن وجداني فما وجدت راحة لذلك.. إلاّ أن أزيد على حرفها.. مشاعر! وشيئاً من واقع! وأسطر آمالاً لعلّها تحقّق!
د. خيرية:
سلبتْني كلماتك .. موهبة .. إبداع .. ابتكار! كم تسكن هذه المفردات من ذوات!
ما أجمل مقالك .. أعدتِ فكري وروحي إلى السنوات البعيدة زمناً .. القريبةً أشجاناً. أعدتِ فكري إلى خطوات التجربة الأولى التي أعشقها وأعشق ذكراها وأكنّ لكل من ساعدني عرفاناً. معامل التجربة تفتتح أبوابها لديّ في الصباح الباكر في منزلنا والجميع نيام بدءاً بالمطبخ إلى جميع الصالات والغرف .. أعبث بالأجهزة أتعرّف على تفاصيلها تتلمّس يدي مكوّناتها. وتتجلّى المغامرة حينما أتنقل بين الغرف لأقتنص جهازاً جديداً بجانب أخي أو أختي, أمي أو أبي النائمين! ليس إلاّ أنني أودّ أن أجرّب شيئاً جديداً وأتعرّف على تفاصيله والأهم أعبث ببرمجته وأعيدها ثانية! عشق تملّكني. علم الجميع عن مغامراتي الصباحية فوجدت كلّ الاهتمام بل والابتسامة الجميلة. فمنحوني أجهزتهم مشكورين بلا مغامرة! إلى أن تملّكتهم الثقة بي حين تعطّل أحد الأجهزة يعيدوه لي لأفحصه. ومن ذلك عشقت أكثر مبدأ الابتكار والاختراع.
لا تغيب عني كلمات أحبابي المضيئة الملهمة. بذورهم.. اليوم تمتد أغصانها وثمارها. قلبي لا يزال لهم يهتف دعاءً وشكراً وعرفاناً وسكنى الجنان.
حينما قرأت ما كتبتِ في مقالك: إنّ ناشئة الموهوبين ممن نتوسّم فيهم قدرات فاعلة...... الخ إنما يحتاجون فقط.., لمن يقول لهم : تجاوزا نجاحاتكم الصغيرة.. ولا تقفوا عندها) لا أخفيك أنني شعرت براحة وأمل بحجم السماء أنّ هناك من يتفهّم حاجات الموهوبين. نعم هذا ما نحتاجه! بل نحتاجه وبشده.
لو أنشأنا إدارة للموهوبين خالية من كلِّ الإمكانات عدا الدعم المعنوي والحوار الفكري في نظري لكفت!
إليك ما حصل.. ويحصل!
آلمني ذات يوم ما وجدته.. خرجت من قاعتي الجامعية الدراسية وتوجّهت للترشيح لأمر ما كان شرطاً من شروطه أن تكون المتقدّمة موهوبة.. عقدت الدكتورة المسئولة معي مقابلة شخصيه وأي مقابلة تلك! كانت جالسة على مقعد وثير ولم تحسب لي أيّ حساب وتقول تفضّلي. أخذت تناقشني تسألني عن التفاصيل في سيرتي الذاتية وأجيب.. أطالت النقاش والسؤال وكلِّي تفاعل واستجابة مع مناقشتها. وبعدها نظرتْ إليّ قائله بالحرف الواحد (كل شيء سويتيه وش تبين بعد؟!) شعرت حينها أنّ نسمات الهواء حولي انعدمت. لم أكن أشعر بهزيمة ولا إحباط اتجاه ما تحدثت به بل الشعلة في داخلي أخذت تزداد. لكن كنت أشعر بصدمه قوية أنّ تلك الكلمات تصدر من دكتورة، والعجيب أنها مسئولة عن موهوبات! خرجت منها وفؤادي ينطق الصعاب تتعاظم وآمالي تكبر وتتعالى. الواقع في بيئتنا التعليمية مؤلم من حيث التعامل. هذا موقف من سلسلة مواقف لا حصر لها. إننا نحتاج وبشدة أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب!
وبالعكس تماماً.. كانت تخاطبني يوماً المستشارة ريتا القادمة من أوربا لإحدى جهات التقنية أخذت تناقشني في أحد ابتكاراتي تسألني عن التفاصيل والمترجم بيننا يترجم وأجيب. كان فضاؤها جميلاً وذا أفق رائع متفهّم وفاهم! حقيقة أقولها لم أجد عقلاً واعياً خاطبني في أمور الموهبة والابتكار والاختراع كعقلها في أي مؤسسة أو منشأة تعنى بالموهوبين. استمرت مناقشتها إلى ما يقارب الساعة. ثم باغتتني بسؤال ألا تخافي من سرقة ابتكارك؟ طرأ عليها هذا السؤال - كما أعتقد - لأني كسرت قاعدة موجودة لدى المخترعين ألاّ يدلوا بأسرار الابتكار كاملة حتى لا تتم السرقة بنجاح! أجبتها لا أخاف لأنّ ديني علّمني أنّ الدال على الخير كفاعلة. إنْ لم أنجز هذا الاختراع باسمي في دنياي فهو بإذن الله في صحيفتي مكتوب.. فلمَ الخوف؟ نظرت إليّ نظرات باسمة وهي تقول: أريدك أن تثقي أنّ اسمك سيكون بعون الله ماركة مسجلة!. يا للروح الإيجابية!
هنا أستطيع أن أقول: الشخص المناسب في المكان المناسب.. فشتّان بين الموقفين!
إننا نحن الموهوبين نعاني ومازلنا نعاني من الإجحاف وقلّة الاهتمام وتحطيم مجاديف الآمال.. همّنا كلنا منصبٌ في الإعلام بأن نظهر بأنّ لدينا ولدينا من موهوبين.. لكن للأسف إنْ لامست الواقع وجدت الألم لدى الموهوبين وخصوصاً في التعليم الجامعي ممن لم يحظوا بسنة تحضيرية! الطاقات لدينا مهدرة , وسهام القتل لدينا جاهزة! والوعود متبخّرة! نعم إننا في معمعة الكلام الكثير دون الفعل! تخرّجت وغادرت الجامعة والوعود التي أسمعها ترن في مسامعي لم تتحقق!.
هذا شيء من واقع!
أما عن الآمال التي أرنو أن تتحقّق ...
- أتمنى أن تقدم الرعاية للموهوبين في شتى المجالات في حدود أسوار الجامعة، كما لا نغفل عن ذلك خارج الجامعة.
- أملي أن تتّسم الرعاية بالمرونة بعيداً عن الروتين القاتل!
- أتمنى ألاّ تنفصل الجامعة عن الموهوبين بعد التخرُّج.. ألسنا في طور التحوُّل لمجتمع المعرفة!
- أرجو ألاّ تكون العناية بالموهوبين تتمثّل فقط في إقامة معرض ولقاء صحفي وتلفزيوني!
- أملي أن نمسح الغبار عن أسطح تلك الدراسات والبحوث المختصة بالموهوبين ونقوم بالعمل على توصياتها ونتائجها.
- رجائي.. رجائي أن تتجدّد إقامة (مؤتمر منتدى الغد «نحن والشباب شراكة») الذي كان برئاسة الأميرة نوف بنت فيصل بن تركي. كان رائعاً في محتواه وجلساته وأيضاً مبادراته. القضية والمشكلة هُنا تطرح من الشباب ذكوراً وإناثاً. فترى التفاعل فوراً من المسئول بإطلاق مبادرة.. بعيداً عن الخطابات التي تكاد أحبارها تمحى قبل أن تصل للمسئول نتيجة تلقُّف الأيادي لها وتدفئتها في الأدراج!
- حلمي أن نرقى بلغة حوارنا في مؤسساتنا التعليمية. وأن نستشعر كلمة أمانة!
د. خيرية:
ستبقى الجذوة فينا!
إننا نلاقي إحباطاً جميلاً وتحفيزاً أجمل المعادلة الرائعة التي نحتاج نتاجها!
د. خيرية:
لحروفك جمال.
دمتِ باطمئنان.
الهنوف صالح القباع -
alhanouf-saleh@hotmail.com