جمع لويس سيكودي لوثينا وثائق عربية أندلسية غرناطية تعود للقرن التاسع الهجري تقريباً، وكانت معظمها تتعلق بالبيوع والهبات والنكاح والطلاق والإرث والخصومات وغيرها.
وقد لفت نظري في تلك الوثائق الكثير من تنازل الأزواج لزوجاتهم عن بعض الأملاك لها ولأولادها، وهو فيما يبدو خشية من الأزواج على بعض الأبناء والزوجة من ضياع الحقوق بعد الوفاة، ولا سيما أن تعدد الزوجات وتملك الجواري كان سائداً في الأندلس وبأعداد كبيرة، مما يترتب عليه تعدد الأبناء. والملاحظ في تلك الوثائق، تقاسم بعض الماء الذي ينبع من العيون؛ ففي إحدى الوثائق نجد أن سيدة قد باعت إلى ثري أرضاً وكروماً وعيناً ينبع منها الماء، لكنها اشترطت أن يسمح لها بصرف جميع ماء العين لسقي كرومها من بعد عصر يوم الجمعة حتى صباح يوم السبت. وورد في إحدى الوثائق حضور أحدهم إلى القاضي مع اثنين آخرين، وقد أقر عند القاضي بأنه باع لهم أرضاً قبل ستة عشر عاماً وأنها من حقهم، حين تقدموا إليه ذاكرين أن وثيقة المبيع ضاعت من أيديهم، ولهذا فقد قدم هذا الرجل ليبرئ ذمته أمام القاضي، وهذه دلالة من دلالات الأمانة التي يتجلى بها ذلك الرجل فكان بإمكانه إنكار البيع بعد علمه بضياع الوثيقة لكنها مخافة الله التي دفعته إلى الذهاب معهم إلى القاضي والاعتراف بحصتهم في الأرض. هذه الوثائق الكثيرة تعطي شيئاً ما عما كان سائداً من علائق اجتماعية، ربما كانت امتداداً لما كان سائداً في المشرق العربي من ثقافة مع شيء من الاختلاف نظراً لتمازج الثقافة الأندلسية مع الثقافة الأوروبية سواء بالتعايش المباشر أو المجاور والحروب التي كانت سائدة، وذلك الضعف الذي كانت تعيشه غرناطة في القرن الذي تعود إليه الوثائق.
ولم تخل تلك الوثائق، من معطيات ربما يستدل بها المرء على النمط في التعامل مع القيادات التي كانت تمسك بزمام الأمور في تلك الحقبة، وأوضح دلالة تلك الوثيقة التي سطرها القاضي والتي بمقتضاها باع حاكم غرناطة لوزيره بعضاً من الأملاك، وفيها من التبجيل والتعظيم ما لا تستدعيه وثيقة مبايعة، لكنها ثقافة ذلك العصر ولعل القارئ الكريم يستأنس بقراءة هذه الوثيقة إن رأى فيها ما يدعو للاستئناس ونصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتاب تبايع يمضي حكمه وينفذ على أتم ما أوجب الشرع عقده الصحيح ورسم عقده مولانا وعصمة ديننا ودنيانا أمير المسلمين وخليفة رسول رب العالمين السلطان الإمام الخليفة الهمام الملك العادل الجواد الباذل المؤيد الظافر المنصور الناصر الكافي الكافل الفاضل الكامل مولانا المستعين بالله أبوالنصر سعد ابن مولى الأمير الخطير الممجد الطاهر الأوحد الأرضى المجاهد الأحمى المعظم الأسمى المقدس المنعم المرحوم أبي الحسن ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين السلطان المؤيد الإمام الأسعد الخليفة الأرشد الملك الأعلى الكبير الرفيع الشهير المقدس المنعم المرحوم أبي الحجاج ابن مولانا السلطان أمير المسلمين المقدس أبي عبدالله ابن مولانا السلطان أمير المسلمين المقدس أبي الحجاج ابن مولانا السلطان أمير المسلمين المقدس أبي الوليد إسماعيل بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره، لقائده وابن وزيره عماد الملك وخطيره القائد الأجل المعظم الأسمى الرفيع الأسنى المجاهد الأحمى أبي الحجاج يوسف بن القائد الوزير الكبير الشهير الخاصة الخلاصة المشاور المفاوض الحظي المكين المقرب الأسمى المجاهد الحامي المقدس المنعم المرحوم أبي القاسم بن الشراج، وصل الله عزته ووالي رفعته في جميع الحانوتين الاثنين الكائنين بداخل قيسارية الحضرة العلية غرناطة حرسها الله المذكورين والمحدودين في الرسم الوقوف فوقه بحقوقهما وحرمهما ومدخلهما وكافة منافعهما ومرافقهما بثمن عدته سبعمائة دينار وخمسون ديناراً من الدنانير الذهبية بالصرف المعتاد المتعارف مبلغ ما ثبت به السداد فيهما أعلاه من حساب ما عين لكل واحد منهما من القيمة صدر إنعامه كافأ الله إنعامه ونصر جنوده وأعلاه تتميما لإحسانه إليه وإبلاغاً في يده العليا عليه باقتطاعهما له من واجبه بالدار الكريمة، شرفها الله، الاقتطاع الذي برئت به ذمته وتمت بسببه عليه نعمته، وبذلك خلص له تملك ما ذكر على السنة في ذلك بعد أن نظره له من رضى له بنظره ووثق بتقليبه فرضيه والتزمه. شهد على مولانا نصره الله، بما فيه عنه من بيع وإبراء من شرفه بالإشهاد بذلك وهو على ملكه ومستقر خلافته العزيزة وسلطانه. وأشهده القائد أبوالحجاج دام عزه بما فيه عنه وعرفه بحال كمال الإشهاد بتاريخ العشر الأخيرة لصفر المبارك من عام خمسة وستين وثماني مائة. هذا تبجيل في الكتابة، فماذا سيكون التبجيل في المشافهة؟