من أجل النعم، وأعظم المنن، وأثمن الساعات، ساعات الابتهاج والفرح بنعم الله التي يعم نفعها ويعظم أثرها، ومن ذلك النعمة التي تحصل وتتم لولاة الأمور، لأن بها تعم نعم وآثار على الوطن، كما أنه في مقابل ذلك يحصل التأثر والتفاعل بحصول ضد ذلك، -نسأل الله أن يحفظ ولاة أمرنا ويدفع عنهم كل مكروه- ومن هنا فإن ما ننتظره من ساعات ولحظات سعيدة يعجز اللسان، ويقصر البيان، وتتناثر الحروف، وتتلعثم الألسن أن تعبر عن مكنون الأفئدة، ومشاعر النفوس تجاهها، كيف لا وهي فرحة تعم رياضنا الحبيبة، وربوعها الغناء، بل تعم الوطن كله، إنها فرحة بعودة سلمان المكارم، فارس الرياض وأميرها المحنك، بعد أن ألم به عارض ومكروه زال ولله الحمد، وتكللت العملية الجراحية التي أجريت لسموه بالنجاح، فالحمد لله على آلائه.
وما أسعدها من لحظات، وما أروعها من ساعات، إني إخال أن كل مواطن بل كل مسلم يطرب فرحا، ويزهو فخرا، وهو يشاهد تلك اللحظة السعيدة، التي يعود فيها أميرنا المحبوب سلمان الوفاء والعطاء بوجهه المشرق الوضاء، وابتسامته التي لا تفارق محياه، وهو أحد أركان هذه الدولة المباركة ووطن المكارم والمحبة والسلام، فما أجله من موقف، يسطر بمداد من ذهب، ويدون بأحرف من نور، أن قيادةً هيأها الله لهذه البلاد الطاهرة، والأرض المقدسة، جعلت من الشريعة منهجاً لها، وخدمة الوطن والمواطن هدفاً، أخذت على عاتقها هذه المسؤولية، وجسدت الأقوال بالأفعال، فمكن الله لها، ومنحها محبة القلوب، واجتماع الكلمة ووحدة الصف.
إن اللحمة والترابط سمة من سمات هذا الوطن، وهو من دلائل الخير، وعلامات التوفيق للراعي والرعية، فولاة أمرنا صدقوا الله واجتهدوا في تحقيق رضاه بتطبيق شرعه وحماية عقيدة التوحيد، والشعب يشعر بالاهتمام والعناية والرعاية والمتابعة والحرص من ولاة الأمر في تحقيق كل أسباب السعادة والرفاهية والخير، وهو قبل ذلك ينطلق في مثل هذا التعامل من عقيدة أوجبت تقدير هذه النعم، واستشعار أهمية الولاية وأثرها في أي دولة، ثم ما جعله الشرع من مقومات الجماعة من الصدق مع الله، والنصح لولاة الأمر والسمع والطاعة، والاجتماع والألفة، والتعاضد والتعاون، كل ذلك جسد صورة من التلاحم الفريد، هو سمة التعامل والتفاعل مع ولاة الأمر في كل حين، لكن تظهره مواقف الابتلاء، وساعات المحن، وهذا ما عشناه حينما قدر الله -ولا راد لقدره- المحنة على سلطان الخير ولي العهد الأمين والعضد المكين لولي أمرنا ومليكنا المسدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز -أمد الله في عمره على الطاعة، وحفظه ذخرا وفخرا لهذا الوطن وللإسلام والمسلمين-، ثم تكون فرحة العودة، وبهجة الوطن بعودته سالما، ويتكرر الموقف مع شقيقه ورفيق دربه في غربته سلمان الوفاء، الذي لم يغب عنه في فترة علاجه ليكون أميرنا المحبوب هو من ابتلى بالعارض واستلزم عملية جراحية له، فتعيش الرياض التي ألفها وألفته، وعشقها وعشقته، وأودعها كل خبراته ورؤاه لتخرج أبهى عاصمة عالمية، بل ويعيش الوطن كله لحظات ترقب ودعاء أن يحفظ سلمان الخبرة والحنكة، سلمان العلم والتأريخ، سلمان المكارم والعطاء، ذلكم الفذ الذي يمثل أحد أبناء الملك المؤسس الباني المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -طيب الله ثراه، وجعل الجنة مأواه-، وأن يجعل مصابه كفارة وأجوراً متوالية، ويأذن الله بزوال هذا المكروه ويتم الله الفضل والنعمة عليه، وها نحن بعد هذه المحنة والابتلاء نترقب بكل شوق ومحبة ولهفة ولوعة عودة فارس الرياض ليتم مسيرة البناء والعطاء مع إخوانه، ولتنعم رياض العز بحبيبها الذي عاشت ألم فراقه، فالحمد لله الذي ابتلى وعافى، وقدر ولطف.
وبعد: فهذه مشاعر أبوح بها تجاه فرحة غامرة ننتظرها بفارغ الصبر بعودة سلمان الوفاء، فلن تقدر الكلمات على وصف حبه، وحب ولاة أمرنا جميعا بدءا من مليكنا المفدى، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني -حفظهم الله وأعزهم-، ونحتسب على الله سبحانه أن يكون ما ألم بأمير الرياض من عارض، وما أصابه من ابتلاء أن يكون مكفراً له فنحن ننظر إلى هذه الأقدار المحتومة على أنها وإن كانت مكروهة فلله في تقديرها حكم لا نحصيها، وفي طياتها منح عظيمة، تتجسد في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»، وهذا التصور الشرعي هو الذي نترسمه ونعتقده فيما يصيب ولاة أمرنا وعظماءنا، وفيما يصيبنا، فنحمد الله ونشكره على أن قدر ولطف، وأنعم بالعفو والعافية، ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفي أميرنا المبارك شفاءً لا يغادر سقماً، وأن يلبسه ثياب العافية، وأن يجعل ما ألم به كفارة وأجراً وعافية، وأن يبارك لنا فيه، ويجعل عودته سالماً معافى سعادة لنا ولوطننا، ويمتعنا بولاة أمرنا، ويديم علينا عزهم، وأن يحفظهم من كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، وأن يحفظ قيادتنا الرشيدة فخراً وذخراً للوطن وللإسلام والمسلمين، وأن يطيل في أعمارهم، ويحميهم من كل سوء ومكروه.
(*) مستشار مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والأستاذ المشارك بالمعهد العالي للقضاء