هكذا تمضي الأيام والشهور بل والسنين على كل كائن حي.. فلو رجعنا إلى الوراء وأقصد بالوراء (الماضي البعيد) ماضي الآباء والأجداد وتدبرنا جيداً كيف كانت الحياة الاجتماعية بذلك الوقت وصورها المشرقة الرائعة في ظل الفقر الذي كانوا يعانون منه والشح وسبل العيش المرير التي كان يعيشها الآباء والأجداد آنذاك.. إلا أنها وأقصد (الحياة الاجتماعية) لدى الآباء والأجداد على الرغم من بساطتها فهي أفضل بكثير مما هي عليه الآن من حيث التواصل والتواد والتراحم، فكانت الأسر غالباً ما تكون أسرة واحدة وقريبة من بعضها حيث السمر البريء الذي يتخلله بعض القصص والحكايات الجميلة.. الكل يتبادل الشعور الطيب.. الصغير منهم يقف إجلالا واحتراماً للكبير الذي هو الآخر يقدر الصغير.. الهدايا والزاد على الرغم من بساطتها يتم توزيعها على الأقرباء والجيران مناصفة فانك لن تجد أحدا يأكل وجاره جائع.. الصدقات يتم إيصالها للمحتاجين بالسر دون أن يعلم بها أو يراها أحد.. ما أجمل هذه الصور التي كان يتحلى بها الآباء والأجداد.. يا ترى أين نحن منها اليوم؟ ما أحوجنا إليها في هذا الزمان.. فالذي نراه وبكل أسف أننا نعيش حياة التباهي والتعالي والتكابر.. فقد ترى أن الإنسان اليوم يبقى مسؤولاً عن أسرته الموجودة داخل منزله دون أن يتذكر أو يلتفت إلى أقربائه أو جيرانه أو أصدقائه الذين ربما هم في أمس الحاجة إليه.. ليس بالضرورة أن تكون الحاجة بالمال أو الجاه ونحو ذلك.. بل نريد منهم التواصل معهم وزيارة مرضاهم والمساجين الذين يقفون خلف القضبان وتفقد أسرهم والسؤال عن أحوالهم والوقوف إلى جانبهم في حال تعرضهم إلى نائبة.. وليعلم الواحد منا أن الدنيا لا محالة زائلة ولن يبقى لك منها إلا الذكر الحسن والأعمال الصالحة.. التي يبتغي بها كل واحد منا مرضاة الخالق جل وعلا والتقرب بها إليه.. صحيح أننا في هذا الزمان نعيش الحياة الهانئة المليئة بكل ما لذ وطاب إلا أننا نفتقد إلى الكثير والكثير مما كان عليه آباؤنا وأجدادنا الأوائل من عفة في النفس والتحلي بالأخلاق الفاضلة والصبر على تحمل المصاعب في طلب العيش، فتجدهم وأعني بهم أولئك الرجال المكافحون يسافرون إلى أصقاع الدنيا ويغيبون عن أسرهم شهورا وسنين في سبيل البحث عن العيش والكسب الحلال في ظل ما قد يعترض طريقهم من المخاطر والظروف المناخية القاسية.. هؤلاء بحق هم الرجال المكافحون الأبطال الذين ضحوا من أجل لقمة العيش التي لم يحصلوا عليها إلا بعد جهاد وكفاح مريرين.. فكل ما أرجوه ألا نكون قد نسينا ماضي الآباء والأجداد، فما أجمل الماضي لدى أولئك الناس الرحماء البسطاء في عفويتهم وصفاء قلوبهم وهذا نابع بلا شك من تمسكهم بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.. فالإنسان بلا ماض بالطبع هو بلا حاضر.
قفلة: قال حكيم العرب أكثم بن صيفي: العيش في سبعة أشياء: الولد البار؛ والزوجة الصالحة؛ والأخ المساعد؛ والخادم العاقل؛ والعافية السابقة؛ والقوت الكافي؛ والأمن الشامل.