لاشك أن التخطيط التعليمي سمة من سمات المجتمعات المتقدمة، وما من مجتمع يسعى إلى الرقي والتطور إلا ويضع للتخطيط سياسة يسير عليها، ويستفيد منها في مختلف النشاطات الثقافية والعلمية والاجتماعية، والتخطيط موجود منذ القدم ولكن تغيّرت أساليبه وطرقه، وأصبح ذا منهجية في العصور الحديثة، والعالم اليوم بأمس الحاجة إلى التخطيط بعد أن وصل لهذه المرحلة من التعقيد، وتشعبت جوانبه وتشابكت وسائله وأي دولة بأمس الحاجة إلى التخطيط التعليمي بصفة أن التعليم يعد العمود الرئيسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه في عمليات التقدم والتنمية في عالم اليوم.
في هذا المقال أردت أن أنبه إلى أن التخطيط التعليمي هو الخطوة الأولى للقيام بأي نشاط تعليمي ولا أغلو إذا قلت: إنه استشراف للمستقبل واستعداد له والتوقع لما سيقع فيه ذلك أن الاستباق هو أساس التخطيط، وكلما كان التخطيط منظما ومرنا وشاملا كان ذا نتائج ايجابية وناجحة. فالتخطيط هو مرحلة إلزامية لا يمكن لأي إنسان الاستغناء عنها في أي مجال من مجالات حياته وبالأخص في مجال التعليم، لأنه المسئول عن إعداد الأجيال للمستقبل، ولابد عند إعداده أن يرعى التخطيط المسبق لأي مرحلة من مراحل التعليم المختلفة. وعند الحديث عن التخطيط التعليمي لابد من الاستذكار أن عملية التخطيط التعليمي يجب أن تحقق مطلبين رئيسيين يبدوان متناقضين أحدهما وجوب أن يبقى التخطيط جزءا من الوضع الإداري القائم من حيث المركزية واللامركزية، حتى يأتي النهوض بتنفيذ الأهداف المخطط لها في أبسط وأدق تفصيلاتها، والمطلب الثاني الحاجة إلى بقاء التخطيط بعيدا عن الوضع الإداري بدرجة كافية حتى لا يقع أسيرا للإجراءات الروتينية، وحتى لا تستغرقه القيود والمسؤوليات المحددة لكل مجال في الإدارة، بمعنى أن يكون مرنا شاملا يحقق الأهداف المنشودة بأحدث الأساليب وأقل التكاليف وبوقت مختصر.
يبدو لي من خلال تجربتي بالعمل الأكاديمي أن التخطيط لابد أن يحمل جملة من الخصائص المهمة التي تؤهله لتحقيق التقدم وأول هذه الخصائص -كما أراها- هي الموضوعية في التفكير, فينبغي عند التخطيط لحل مشكلة النظر إلى تقدير المشكلة واقتراح الحلول المناسبة لها من ناحية المجتمع لا من ناحية مجموعة معينة من الأفراد ثم التفكير بطريقة تحليلية دينامية، وهنا أؤكد على ضرورة تجنب اتخاذ أي قرار دون تحليل سابق للبيانات والمعلومات ذات الصلة, والخاصية الأخرى التي يجب أن تكون مناطة بالتخطيط هي التجريب والوصول للاحتمال الأفضل ؛ فالشخص المؤهل للقيام بالتخطيط ينبغي أن يضع أمامه جملة من الاحتمالات أو المقررات أو الاختبارات، بحيث يستقر الأمر به إلى مقرر من المقررات أي أنه تجريبي في منهجه، وهنا لا أقصد بالمعنى الحرفي التجريب بالمعامل، إنما التجريب بالمسائل المتصلة بحركة المجتمع وهو تحليل مختلف الطرق والبديلات تحليلا كاملا لمعرفة ما يمكن توقعه من نتائج في كل حالة ثم اتخاذ هذا الطريق أو ذاك.كل هذه الخصائص لابد أن يتصف بها التخطيط لأننا في المجتمع السعودي بأمس الحاجة إلى وجود جودة عالية في التخطيط، فالتخطيط في أي مؤسسة لابد أن يخضع لمعايير الجودة، فالجودة هي الكفيلة التي يجب أن تقوم بهذا العمل أو تعمل على متابعته عن كثب ففي أي مؤسسة تعليمية سواء أكانت مؤسسات جامعية أم مؤسسات تعليمية حكومية أم مؤسسات تعليمية خاصة يجب أن تبني مخططاتها على أساس جودة عالية في التخطيط حتى تستطيع أن تنتج مخرجات جيدة مؤهلة لتطويرالمجتمع وتقدمه، كما يجب عليها تطوير أساليب التخطيط لأننا في هذا العالم الهائل المليء بالمشكلات بحاجة إلى تطوير أساليب التخطيط والوصول بها إلى مستوى الأساليب المتبعة بالدول النامية كي نصبح موازين لها أو نتغلب عليها وهذا كله لا يتم - من وجهة نظري - إلا من خلال إجراءات البحوث العلمية، وأعمال التدريب في رسم التخطيط ، ووجود المنافسة بين المخططين والمؤسسات ذات العلاقة بالبحوث العلمية، وإقامة المؤتمرات والندوات لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لتطوير أساليب التخطيط التعليمي.
عميد كلية العلوم والدراسات الإنسانية بالقويعية (جامعة شقراء)