تقرير وتصوير - خليفة الخليفة :
تنبأ باحثون بريطانيون بأن يؤدي التغير المناخي خلال 22 عاماً القادمة إلى انتشار الأوبئة التي تقضي على ملايين البشر، غير أن الدراسة لم تخل أيضاً من تنبؤات إيجابية كأن تتحول الصحراء الكبرى على سبيل المثال إلى واحة خضراء، والصحراء الكبرى هي صحراء تحتل الجزء الأكبر من شمال أفريقيا، وهي أكبر الصحاري الحارة في العالم بمساحة تفوق ال9 ملايين كم مربع، ويكثر وجود الواحات فيها وأيضاً حقول البترول والجبال والهضاب. وتضم هذه الصحراء عدة دول منها إريتريا والنيجر ومالي وتشاد والجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس وليبيا والسودان ومصر. عدسة الجزيرة كان لها جولة في جزء من هذه الصحراء.
صور من تشاد
انحصرت الجولة في دولة تشاد والسودان ومصر، ففي مصر والسودان تكون التجمعات السكانية على ضفاف نهر النيل، حيث يمتهن السكان حرفة الزراعة وتكثر الحقول المنتجة والأراضي المستثمرة، فتظل الصحراء البعيدة عن النيل شبه خالية من السكان إلا ما قل من البدو المرتحلين والرعاة، وإن كانت تتشابه صحراء الدولتين في شمال السودان وجنوب مصر وتقترب العادات من بعضها البعض، ولكن في بلد مثل تشاد -محور تقريرنا هذا اليوم-
تكون الزراعة في هذه الدولة شبه معدومة فتتوسع الصحراء كلما اتجهنا شمالا وشرقا رغم وجود نهر يفصل بينها وبين دولة الكامرون وتقتصر الزراعة البعلية في بعض المناطق على بعض المحاصيل كالدخن والذرة والمعتمدة أساساً على مياه الأمطار الموسمية. وتأتي تربية الماشية كالأبقار والأغنام والإبل في الدرجة الأولى في نشاط السكان، وتعتبر هي رأس المال الذي يمكن أن يتبادله التجار والناس عامة في معاملاتهم التجارية وبالتحديد خارج العاصمة «أنجامينا» حيث يطلقون عليه محلياً ب(المال) ويكثر انتشاره في هذه الصحراء الشاسعة والمنبسطة حيث تغطي الأعشاب الرعوية مساحات كبيرة من الأرض مما يوفر مناخاً اقتصادياً لتربية هذه الماشية. عدسة الجزيرة وفيما يخص الصحراء التشادية من هذه الجولة كان لها رحلة استغرقت خمسة عشر يوماً من التجوال بين مرابع الصحراء سهولها وبحيراتها ورمالها، حيث كان لا بد من الاستعداد الأمثل لمثل هذه الرحلات بالتجهيزات اللازمة والتي قد يقتضي الأمر حمل بعض التجهيزات الأساسية من المملكة جواً. فعن هذه الرحلة يقول الأستاذ عبد الله محمد العايد مشرف تربوي بإدارة التربية والتعليم وأحد أعضاء الرحلة المشاركين: يجب أولا تحديد الهدف من الرحلة والذي كان برحلتنا هو الاطلاع على أسرار الحياة البرية من خلال التجوال الطويل والتنقل باستمرار والاستمتاع ببعض الوقت قرب هذه الحيوانات والطيور المهاجرة والمستوطنة ومشاهدتها في بيئتها الطبيعية والاستمتاع بأجواء البراري البكر، كما أن هناك جانباً إنسانياً من الرحلة أَدَعُ أحدَ الإخوة المشاركين معنا بالحديث عنه. وعن مهمته بالرحلة يقول: أولاً يحرص كل فرد من أعضاء الرحلة على التفاني بخدمة زملائه الرحالة، ومن ناحيتي أحببت أن تكون مهمة الطبخ وإعداد الوجبات الرئيسة لأعضاء الرحلة من نصيبي، فكلفت أيضاً بجلب كل ما يلزم معي لإعداد وجبات رئيسة مميزة كالكوري والكبسة والإفطار كالمصابيب والقرصان، وأتمنى إني قد نلت رضي زملائي بالرحلة، ومن الجميل جداً التسامر في ضوء القمر بعيداً عن الضوضاء وصوت الضباع والذئاب تشاركك السمر، هي طبعاً أجواء لم تعتدها هنا لكنها مميزة رغم وجوب الحذر من تلك الحيوانات المفترسة.
أعمال خيرية
وعن طابع الرحلة بشكل عام يتحدث الرحالة الشيخ محمد بن سليمان الحديثي أحد أعضاء الرحلة المشاركين من محافظة البكيرية فيقول: لا أتوقف عن الرحلات وزيارة البلدان، فقد زرت جميع الدول العربية دون استثناء إضافة إلى العديد من الدول الشقيقة والصديقة للمملكة، وغالباً ما تكون هذه الرحلات خيرية يتخللها بعض المواقف التي لا تنسى. وعن هذه الرحلة إلى الصحراء الكبرى يقول الحديثي: نحرص دائماً برحلاتنا على أن تكون مصحوبة بأعمال الخير، فهناك الكثيرون من إخواننا المسلمين الفقراء والمعدمين في شتى البقاع، وما أجمل أن تقدم شيئاً بحياتك وتراه يصل إلى الفقير مباشرة دون منة، ففي رحلتنا هذه قمنا وبمبادرة شخصية من أفراد الرحلة بحفر عدد خمس آبار ارتوازية للمحتاجين لتوفير الماء العذب لهم بواسطة إحدى الجمعيات الخيرية وبالتنسيق معها، كما تقوم بإيصال بعض الزكاة والصدقات لمستحقيها هناك والتي تجد قبولاً وترحاباً من الأهالي. وفي كثير من الدول والتي تسمح أنظمتها بالصيد نقوم بأخذ التصاريح اللازمة وممارسة هذه الهواية المحببة للنفس دون إسراف أو تبذير.
وعن مسار الرحلة يقول فهد بن محمد البزيع: لا بد من التخطيط الجيد وإكتمال التجهيزات لمثل هذه الرحلات الطويلة والبعيدة، فيمكن الاستعانة بالخرائط من البلد نفسه المراد التوجه إليه والاستعانة بأجهزة الملاحة وأجهزة الاتصالات الفضائية في هذه الصحاري الكبيرة والاستعداد للاستواء دائماً، وجيب على أعضاء الرحلة التحلي بالصبر والعزيمة والإصرار. وعن رحلتنا للصحراء الكبرى يقول فهد: قطعنا أكثر من ثلاثة آلاف كم حيث اخترقنا الصحراء بتشاد من الجنوب بدءاً من «مساقط» حيث انتهاء الطرق المعبدة متجهين شمالاً نحو «فداء» مرورا ب«بحر الغزال» و«ميسرو» و«كوبو» و«عودة» مروراً ب«بطن جنه» و«انجامينا بلالا» وغيرها من البلدات الواقعة على وادي بحر الغزال، حيث مكثنا في طريقنا إلى هناك أكثر من سبعة أيام ذهاباً شاهدنا خلالها التنوع الكبير في الأرض واختلاف التضاريس، فبعد أن بدأنا من أرض مليئة بالغابات والأمطار والأجواء الاستوائية الرطبة بدأت نحو الشمال تتغير تدريجياً حتى انقطعت الأشجار نهائياً في الأرض وبدأ التصحر وقلتْ الأمطار وبدأت الكثبان الرملية تظهر لنا. وحرصنا على أن تكون العودة من طريق آخر باتجاه الشرق حتى يمكن الاستمتاع أكثر بأجواء الصحراء. أما عبد الله الخليوي أحد المعلمين المشاركين بالرحلة فيقول» ما أجمل أن تعيش حياة البادية لأيام فتتعود على الصبر والتحمل وتعايش المشكلات الميكانيكية وتحاول إصلاحها وتقضي على الروتين بحياتك، ففي السفر عدة فوائد فما بالك إذا كان لمثل هذه البلدان والصحاري والاطلاع على الحياة البسيطة الهادئة والناس الطيبون، فتعود وقد تزودت بكثير من المعرفة والخبرة إضافة أن إتاحة الفرصة لأعضاء الرحلة لزيارة بعض المعالم الإسلامية كمركز الملك فيصل الإسلامي في قلب العاصمة وزيارة الأسواق الشعبية والاطلاع على الموروث الشعبي لهذه القبائل والتزود ببعض الهدايا التذكارية.
أما عدسة (الجزيرة) ومن خلال هذه الرحلة فرصدت موسم الأمطار في هذه البلاد وكيف تتحول الأرض إلى جنة وارفة في الأرض من حيث الخضرة والمياه وأسراب الطيور المهاجرة بمختلف أنواعها، كما رصدت أنواعاً كثيرة من الحيوانات المستوطنة في هذه الصحراء كالغزلان والأرانب والذئاب والضباع وكذا أنواعاً كثيرة من الطيور المهاجرة كاكرك الأكحل والغر نوق واللقالق والنسور، وكانت بأعداد هائلة، إضافة إلى أنواع من الطيور المستوطنة في بيئتها الطبيعية كالحبرو ذي الأنواع الثلاثة والقطاء. كما رصدت حركة المسافرين عبر الصحراء والذي نسمع عنه من أجدادنا عند سفرهم بالمورات واللوريات حيث يجتمعون بأعداد كبيرة للركوب نسوة ورجالاً وما يتعرضون له من مشكلات وأعطال وتوقف في الصحراء قد تصل إلى عدة أيام شاهدناها هناك على أرض الواقع مسافرين بشاحنات كبيرة ينتقلون عبر الصحراء بين المحافظات والقرى وسيارات تعطلت لأيام أجبر أصحابها والمسافرين عليها على البقاء بقربها بعد أن أرسلوا القطعة المعطلة لإصلاحها مع أحد المسافرين المارين عبر الطرق الصحراوية بعد أيام من الانتظار والانتظار لأيام عدة حتى عودتها وتركيبها والمسير ومواصلة السفر. والجميل أننا قد حملنا كميات من التمور تفوق حاجتنا قدر الاستطاعة لترافقنا في رحلتنا ونعطي منها عابري السبيل، وهناك قمنا باستخراج ما يلزم من تصاريح واستئجار السيارات ذات الدفع الرباعي وتجهيزها بالوقود الديزل حيث تم التزود بما يكفي لعدة أيام وقد يصل الأسبوع من التنقل المستمر بواسطة براميل إضافة إلى التزود بالماء النقي للشرب والطبخ وتجهيز مستلزمات البنشر. وعن المضايقات أو مشابه ذلك خلال الرحلة لم نجد ما يعكر الصفو بل بالعكس الحب الذي نجده والترحاب من الأهالي أينما حللنا في كل مكان عند زيارتنا للقرى أو للبلدات والهجر أو تجمعات البادية حيث يتميز التشاديون باللطف والبشاشة ويبدون مودة كبيرة للضيف الزائر ولم نجد -والحمد لله- أي مضايقة بل بالعكس يبدون الاستعداد لمساعدتنا وتقديم العون لنا وخاصة عند موارد المياه والاستدلال على بعض المواقع أثناء أخذ احتياجاتنا. وما لفت نظري هو كثرة الماشية ورخص ثمنها مقارنة بأسعارها المرتفعة عندنا حتى أن أعضاء الرحلة يتسابقون في ذبح الخراف وتوزيعها على المحتاجين وذبح العقيقة توكيلاً عن أقاربهم في المملكة هناك حيث تتراوح أسعار الخراف بين المائة والمئتين بالريال السعودي.
كما يجب للمسافر إلى هناك في وقت الأمطار اخذ احتياطات للازمة مثل الخيم الصغيرة المجهزة للوقاية من لسعات الباعوض حيث ينتشر بكثرة وكذلك الكريمات الطاردة له وأخذ بعض اللقاحات والتطعيمات الصحية الضرورية. ومن طرائف الرحلة أن أحد السكان المحليين من التشاديين كان قد هم برحلة قنص راجلاً بواسطة السهم والقوس وأثناء مشاهدته لنا في معسكرنا الصباحي فضل المرور علينا واستكشاف أمرنا فبعد دعوته للقهوة وتناول الإفطار سألناه عن وجهته فأخبر أنه ينوي القنص والصيد بما يحمله من قوس وسهم فكان أن طلبنا منه تعليمنا طريقة الرمي بالقوس وأعجبتنا، فطلب محرر الجزيرة شراء القوس والسهام فرفض بالبداية لكنه مع دفع ثمن مجز له وافق فعاد أدراجه مبتسماً حاملاً ثمن القوس دون الصيد، فقلنا له إلى أين أنت ذاهب فقال انتهت رحلة القنص ببيع أدواتها. كما أن أحد الإخوة التشاديين والذين ساعدونا في الرحلة لم نقم بالاتصال به وإخباره بأحوالنا إلا بعد أسبوع من الرحلة فقال باللغة العربية الفصحى سأسجد لله شكراً إنكم لم تتيهوا في الصحراء، لقد دخل الخوف إلى قلبي لعدم اتصالكم، فاعتذرنا منه بلباقة وأبدينا أسفنا معللين ذلك بما نعيشه من راحة وسعادة بهذه الصحراء الجميلة الشاسعة، وعند عودتنا قال عرفت الآن ماذا تريدون أيها السعوديون تريدون خيمة وناراً وحيوانات تمر من أمامكم ومن خلفكم والقهوة العربية بدلتها الصفراء، وهذا ما سأوفره لكم بدلاً من الفنادق في المرة القادمة. الأمطار كانت غزيرة وخاصة في محيط العاصمة وتقل كلما اتجهنا للشمال وتنخفض درجة الحرارة شيئاً فشيئاً. في بداية الرحلة كان الحطب متوفراً ومع الاتجاه شمالاً بدأنا نجد صعوبة في الحصول عليه لقلة الأشجار. أصعب ما في الرحلة هو قطع النفود والرمال الكبيرة في الشمال، وبعد قطعها اكتشفنا تصحر الأرض واشتداد الرياح المحملة بالأتربة فكانت أبعد نقطة في الرحلة عندها بدأنا رحلة العودة من اتجاه آخر. البشاشة وحب التشاديين لإخوانهم السعوديين والتسهيلات المقدمة من المسؤولين كانت محل إعجاب جميع أعضاء الرحلة.