كنت ذات مساء في شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز في عاصمتنا الحبيبة الرياض، مساء آخر كنت في طريق الحزام الدائري بأبها البهية، مساءٌ ثالث في كورنيش عروس البحر الأحمر، الجامع المشترك في الليالي الثلاث هو الفرحة العارمة التي حضرت
تارة بمناسبة فوز المنتخب الوطني في مباراة مصيرية، وتارة بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني لمملكتنا العزيزة، وتارة أخرى بمناسبة عيد الأضحى المبارك، مشروعية الفرح بالمناسبات الثلاث لا جدال حولها ولا تثريب على الفرحين بها، جميعنا قلبٌ واحد عندما تحضر الفرحة، سائلين المولى أن تدوم أفراح هذا الوطن العزيز ومواطنيه الكرام وكل من يعيش على ثراه الطاهر، لكنني بصدد طرح قضية الفرح عندما يتم التعبير عنه بسلوك مختلف يمكنني وصفه بالسلوك الخارج عن الذوق العام، البعيد كل البعد عن احترام خصوصية الآخرين وحريتهم الشخصية التي يكفلها لهم النظام.
لمادا نحن مع كل مناسبة للفرح على موعد مسبق مع التكثيف الأمني لضبط التصرفات الخارجة عن المألوف؟ ولماذا بات رب الأسرة يتحاشى غالباً الخروج من منزله برفقة أسرته إذا تصادف ذلك مع مناسبة معينة؟ ففي المناسبات الثلاث التي ذكرتها سلفاً كانت لي تجربة شخصية مريرة، فأن تشاهد وعائلتك شاباً يتدلي من نافذة السيارة التي أمامك أو شاباً آخر ضاقت به المساحة حتى يجلس على السقف العلوي للسيارة ويشير إلى سيارتك وسيارات الآخرين بإشارات غير مفهومة، أو أن تشاهد سيارة تهتز أمامك «كأنها جان» من فرط اهتزاز الراقصين بداخلها وتضطر مجبراً لمتابعة تلك المسرحية الهزلية حتى تنتهي فصولها، أو تصبر على مضض لتعطل الحركة المرورية ساعات بسبب توقف بعض المستهترين لممارسة فاصل من الرقص على أنغام الفوضى، بينما تقبع في الطابور الخلفي سيارة يتواجد بها طاعن في السن لا يطيق الجلوس لساعات متواصلة أو مريض يجب إسعافه على الفور أو مسافر في طريقه للحاق بطائرته، بل أقسم أنني تحاشيت بسيارتي حادثاً مروعاً كان يمكن أن يذهب ضحيته العبد الفقير والشباب «المفحطون» باسم الفرح في السيارة المقابلة!
لماذا يصر بعض شبابنا أن ينتهي الفرح بهم إلى أقسام الشرطة للتعهد بعدم تكرار ما حدث ؟ أو إلى أقسام الطوارئ لا قدر الله مكروهاً؟ ولماذا يفرّغون الفرحة من مضمونها ويجردون الاحتفالية من جماليتها بسلبية تصرفاتهم ورعونتها؟
لم يكن مصطلح الفرحة يوماً مرادفاً للفوضى والانفلات، ولن تزيد التصرفات السلبية من حجم الفرحة بل ربما تقتلها، للصرامة الأمنية دورٌ لا يمكن تجاهله بل تجدر الإشادة به في سبيل ضبط تلك التصرفات الخاطئة والأخذ على يد مرتكبيها، لكن الانضباطية التي تتولد من الذات ومن تغيير المفاهيم الخاطئة وتعزيز المفاهيم الإيجابية هي الأساس الذي يجب أن تتضافر الجهود لتحقيقه بالتعاون بين البيت المدرسة والجامعة وبقية مؤسسات المجتمع، إنها رسالة مضمونها بأن للفرح ألف طريقة وطريقة تعبر عنه وتليق بنا كمجتمع عربي مسلم، ما ننشده هو شاب سعودي يقدم نفسه للآخرين كمثال يحتذى به في رقي التصرف وسمو التفكير، إنها ثقافة الفرح التي لابد أن يتم غرسها في جيل اليوم كي تتمثلها الأجيال القادمة، عندها سيكون لنا مع كل فرح حضور يليق بالمناسبة وبنا نحن أبناء هذا الوطن العزيز.
محاضر بجامعة جازان