يمضي المرء يومه في سعيه، وليله في نهله.., وحين استراحة يأوي لبيته نهارا، ولفراشه ليلا.., وكما يستروح الهدوء والراحة والسكينة في مأواه.. فإن له مرجعا أكثر أمانا، وأقدر على حفظه وتوفيقه وتيسير سعيه، وتحقيق راحته، وكنفه من الزلل والخطأ، ومده باليقين وتثبيته على الحق, وتجنيبه الباطل، كل ما يعترضه في مسعاه من مزالق ينقذه منها، وكلما يشط به حلمه يستقر به في متناوله، ذلك المرجع هو الرب العظيم الذي يرى خلقه ويدرك شتاتهم ويعلم حاجاتهم، منه المبتدأ وإليه المنتهى، لا ملجأ ولا منجى إلا إليه... كلام بدهي، وحقيقة معروفة، ليست جديدة على القارئ، ولا آتي فيها بإضافة، إلا ما كان من أسباب لإيرادها هنا وهي رسالة من أم كتبتها لي بلسانها ولسان مجموعة من جاراتها وصديقاتها تقول فيها بعد الديباجة: (سيدتي، نحن مجموعة من النساء الأمهات بعضنا معلمات وبعضنا ربات بيوت وبعضنا موظفات في مواقع مختلفة، نجتمع كثيرا في مراكز وجمعيات وزيارات، مررنا بالكثير من المواقف فواحدة من جاراتنا اختطف طفل بجوار قريبا من بيتها، وأخرى تحرش شباب بولديها، ومنا من يشجع زوجها بناتها على الذهاب لصديقاتهن دون متابعة منها، وجملة منا يرفض أزواجهن الذهاب لمدارس أبنائهن لمعالجة أو متابعة أي موقف يعترض أبناءهم.. وكل هذه الحالات قابلة للنقاش والخروج في الغالب بهزيمة نكراء مع أزواجنا، غير أن منا من خرجت من بيتها ومصرة على الطلاق وتركت أبناءها في البيت، كل ذلك لأننا لم نجد تضافرا من أزواجنا في العناية بالجانب الديني في بيوتنا، نحن اجتمعنا لأن مشكلتنا واحدة، فمنطق الأزواج أن الهداية من الله تعالى دون أن يبذلوا في التوجيه أدنى محاولة، فلا صلاة مع جماعة أو حتى منفردة، وكلما قمنا بالتوجيه طلبوا إلينا ما يجتمع في جملة: دعوهم لزمنهم سوف يعلمهم، تغرب أولادنا داخل بيوتنا يشجعونهم على الخروج دون استئذان وعلى لبس ما يريدون ويبذلون في أيديهم المال، أبناؤنا لا يعرفون الله إلا اسما، يؤذن المؤذن وآذانهم تصدها سماعات الأجهزة، ينامون مجهدين من الإنترنت والأغاني والدراسة دون صلاة، تعبنا تعبنا، ناهيك عن عدم مشاركتهم في تربيتهم على الوجه المناسب مع أساليب التربية فبعض أزواج بعضنا يستخدمون العنف في التقريع بل يضربون صغارنا بمنتهى القسوة، من أجل أي أمر إلا أمر الصلاة أو التأدب في الحديث.., بمعنى أنهم لا يرون الحق ولا يتبعونه،...
نحن من خلالك نريدهم وأمثالهم أن يكونوا آباء مسؤولين، وأن يتنبهوا لمخاطر تسيبهم وإهمالهم، وأن يعلموا ما لا يسمعون منا أنهم المسؤولون أمام الله عنهم وعنا، فنحن جميعنا أمانتهم لأنهم رعاة قال فيهم رسول الله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وأوصاهم بنا خيرا،
دكتورة: نحن لسنا ضد بناء شخصيات أبنائنا مستقلة لكنهم لن يكونوا سليمين ونحن نفرط في توجيههم وتنشئتهم، منا من هي متخصصة في علم الاجتماع وعلم النفس ومنا من لديها خبرة في الحياة وربيت تربية دينية واعية، وفي داخل بيوتنا فجوات بيننا وبين أبنائنا بسبب آبائهم، الذين هم لا يميزون بين الحق والباطل في التربية، أبناؤنا يغلقون عليهم الأبواب ويمرون من جوارنا متحاملين علينا لأن آباءهم في جانب يرخون ويفرطون ونحن في جانب نتحمس ونرفض.. ماذا نفعل..؟)...
يبدو أنها صورة مكررة في كثير من البيوت ولعلها لا تقتصر على الرجال فهناك نساء يتصرفن كذلك على الصورة والنهج ذاتهما..
هناك اضطراب في مفاهيم التربية والتنشئة بين ما لابد منه وما يمكن التجاوز فيه، بين ما يحقق للأبناء استقلالية وذاتية، وما يطغى عليهما فتنحرفا لمنعطف مظلم، بين الصواب والخطأ في أساليب التربية ومقياس ما يمنح من الحرية والحدود التي لابد من الوقوف عندها... وتحديدا في جانب تربية الأبناء على معرفة ربهم ودربه واتباع ما يرضيه واجتناب ما لا يرضيه تعالى في أداء تام لأركان الدين، والتمثل بخلق المسلم في التوجه والقناعة،.. كل ذلك يحتاج لجهود فردية وجماعية لا ينبغي أن تغيب عن راسمي سياسات التعليم والإعلام والتخطيط لمؤسسات المجتمع المعنية بالفرد.. وسبق يا أم عبدالعزيز أن تناولت هنا العديد من الأفكار بهذا الخصوص.. إن رسالتك وصاحباتك تطرق طرقا قويا لعل من يصغي ويفعل..
فهي قضية اجتماعية كبيرة، لم تعد تعني الأفراد وتحتاج لحلول فردية لأنها استشرت ظاهرة في غالبية البيوت، نجدها تنعكس في سلوك الناشئة وتطفو بها مواقفهم في المدرسة والسوق والجامعة.. فما بال في داخل البيوت؟ بالتأكيد هناك تفريط من شأنه أن يقيم هذا الصراع...
تفريط في أساس وهو تربية الأبناء تربية دينية واعية.., تنبثق منها مواقفهم في سعيهم ومأواهم.. ونتوخى من يتصدى..
فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.