تنادت أصوات وطنية صادقة بصرف إعانات للعاطلين عن العمل في بلادنا. ولكنني أعتقد أننا -في بداية مسيرتنا التنموية الحديثة- ما زلنا في مستويات متدنية تقصر بنا عن الوصول إلى هذا المستوى التنموي الراقي الذي يقدم المجتمع فيه إعانات للعاطلين عن العمل.
إعانة العاطلين عن العمل تُستحق في بلاد يغلب على وظائفها العمالة المحلية لا الأجنبية. والبطالة في بلادنا هي بطالة مُصطنعة يشارك فيها المجتمع اقتصاديا بجميع أطيافه ومؤسساته كما يشارك فيها بثقافاته وعاداته. وتفصيل ذلك يطول، وما يهمنا هنا هو أن الإعانات الحكومية بشكل عام -إذا كانت اقتصادية لا سياسية- لا بد أن تحقق المستوى الأمثل من العوائد على المجتمع ككل.
وباعتبار أن وضع البطالة في بلادنا هو وضع مُصطنع، لذا فإن إعانات العاطلين هو استنزاف لأموال المجتمع من أجل تحقيق نسبة أعلى من البطالة ومن أجل تخدير المجتمع عن التفكير في مشكلة البطالة ومن أجل رفع المسئولية عن رب العمل الأناني وعن الموظف السعودي الكسول.
نحن لا نحتاج إلى التجارب، فقد سبقتنا أمم متطورة، لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا عبر قرون قامت خلالها بمئات التجارب والتعديلات للأنظمة حتى توفرت لدنيا وصفات جاهزة تحتاج إلى بعض التعديل والتكييف لتتناسب مع احتياجاتنا.
نظام الضرائب في الولايات المتحدة الأمريكية نظام تنظيمي شامل فهو يحتوى على نظام التقاعد كما يحتوي على نظام الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى كونه محفز للرهن العقاري ومنظم لسوق السندات، وأمور كثيرة لا محل لإيرادها هنا. وشاهدنا هنا أن نظام ضريبة الدخل في أمريكا يعمل كمورد لمستحقات المتقاعدين ومورد لإعانات العاملين. ونظام التقاعد والتأمينات عندنا هو مجرد صندوق استثماري لمستحقات المتقاعدين، فلم لا تضاف له مهمة إعانات العاملين بنظام يشبه النظام في أمريكا وأوربا. فهنا يُستقطع 18% من راتب الموظف من أجل التقاعد يدفع نصفها الموظف والنصف الأخر يدفعه رب العمل. وهناك في أمريكا تختلف نسبة الضريبة باختلاف الدخل فقد تتحول الضريبة إلى إعانات للموظفين التي تنقص أجورهم عن مستوى الدخل اللائق بالمواطن الأمريكي، لذا فهي مرتبطة بعدد أفراد الأسرة وبمقدار الدخل.
وأعتقد أنه يجدر بنا أن نضع نظاما تقاعديا لا يُغفل عدد أفراد أسرة الموظف السعودي كما لا يغفل مستوى دخله. فمثلا الموظف العازب أو العازبة المُسجل في نظام التقاعد أو التأمينات والذي يستلم راتبا مقداره 3000 ريال لا تُحسم منه 9 % ويأخذ هو بدلا من مصلحة التقاعد ال9 % التي يدفعها رب العمل للتقاعد فيصبح راتبه 3540 ريال. وأما إذا كان متزوجاً فيعطى زيادة 10 % مثلا، فإن كان له أو لها أبناء فتعطى على كل واحد 5%، وهكذا تختلف النسب باختلاف مقدار الراتب وعدد الأسرة زيادة ونقصا، فصاحب الأسرة الموظف بثلاثة آلاف ريال وله ابنان وراتبه 3000 ريال يستحق ما مجموعه 38 % فيصبح راتبه 4140 ريال.
هذه الإعانات للعاملين تحقق فوائد معاكسة تماما لمضار إعانات العاطلين. فهي تخلق رغبة صادقة من العاطل لكي يعمل بجد فيرتفع صوته مطالبا بالعمل فيُحفز المجتمع على النصرة له، وتتضاعف المسئولية على أرباب العمل وعلى الكسالى من العاطلين، كما أنها تدفع ببناء الأسرة وتملك المنزل من الطبقة العاملة، كما إن إعانات العاملين -كما هي مقترحة في هذا المقال- لن تؤثر سلبيا على من لا يستحقها فلن تُحفز الشكوى لديه فتقعد به عن الإنتاجية.
إن مما سكت عنه أنني أعتقد أن التقاعد والتأمينات سيعارضان مبادرات كهذه لتعارض المصالح لديهما، فيحب أن تساهم مصلحة الضرائب في تغطية أي عجز متوقع.