كثيرون أولئك الذين استاءوا من حادثة الطعن التي تعرض لها أحد المواطنين وهو يتسوق بصحبة عائلته في سوق برزان العام بحائل، استنكروا هذه الحادثة واستغربوها، وعدوها تطورا خطيرا في الممارسات الميدانية لرجال الحسبة، وحق لهم ذلك، وفي الوقت نفسه أجزم أن محبي هذا الجهاز المشفقين عليه من ألسنة البعض وأقلامهم، يخشون من استغلال هذه الحادثة للتشنيع على جهاز الحسبة والطعن فيه، وتشويهه في أعين المؤيدين له والمحبين، ومما لاريب فيه أن هذه الحادثة تعد ممارسة خارجة تماما عن قيم جهاز الحسبة ومنهجه وأدبياته وتعليماته، بل هي مستغربة تماما لأنها لا تتوافق مع الرسالة النبيلة للجهاز، ولا مع تصريحات قيادته، وقدر هذا الجهاز أن العيون عليه واسعة، وأن المتربصين به كثير، ولهذا يجب الإسراع في بيان حقيقة ما حصل وإيضاحه، واتخاذ الإجراء المناسب حتى لا تتسع دائرة التخمين والتعليق التي سوف تؤثر سلبا على صورة جهاز الحسبة، وتفتح الباب واسعا للمتلذذين بالتشويه والاصطياد في الماء العكر.
العدل والإنصاف يوجبان التفريق بين جهاز الحسبة باعتباره جهازا أصيلا، له دوره المعتبر في تحقيق الأمن الاجتماعي، وبين بعض العاملين فيه المنتسبين له، ومن مسلمات القول: إن لا أحد يطالب بتعطيل جهاز الحسبة، بل الكل يعده واجهة مميزة، وضرورة حتمية في منظومة الأجهزة الحكومية الساهرة على راحة الناس وضبط سلوكاتهم وفق الأطر العامة للشرع والأنظمة والقيم التي ارتضاها الناس لتسيير شؤون حياتهم واستقرار معيشتهم.
ومن هذا المنطلق من المؤكد أن لدى جهاز الحسبة أنظمة وسياسات وتعليمات وأساليب عمل في منتهى الوضوح والاتزان والتوازن والحكمة، وكما هو مشاهد معروف هناك بون شاسع بين أنظمة الأجهزة الحكومية وسياساتها، وبين الممارسات الميدانية لمنسوبيها، ولو وسعت العين على ممارسات منسوبي كل الأجهزة لوجد الكثير من التعديات والتجاوزات التي لا تقل نشازا وخروجا عما يحصل من بعض منسوبي الحسبة، لهذا العدل يوجب التفريق بين جهاز الحسبة وبين بعض العاملين فيه الذين يعدون مثل غيرهم في كل الأجهزة الحكومية، وهم أحد ثلاثة:
مجتهد عارف عاقل، والمجتهد لا يلام إذا اجتهد وتعامل مع مشكلة أو موقف حسب ما يراه صوابا، بناء على تقويمه ووفق أدواته، وقدراته العقلية، لاسيما إذا رأى أن الأمر الذي عرض له يعد خارج الإطار النظامي والقيمي، أو أنه أمام وضع لا يحتمل التجاهل أو التساهل أو غض الطرف، أو أن هذا الموقف سوف يفضي إلى مضار ومفاسد، وفي الوقت نفسه لا يجد هذا المجتهد التشريع أو القانون أو التعليمات التي ترشده وتساعده على التعامل الصحيح، وبالأسلوب الأمثل للمواجهة والمعالجة.
متحمس جاهل منفعل، والحماسة وحدها لا تكفي، بل هي مهلكة مدمرة لاسيما إذا اقترن بها ضعف في التأهيل العلمي والمعرفي لطبيعة المهمات التي تتم ممارستها، وعدم دراية ومعرفة بالواقع وكيفية التعامل مع متغيراته ومفاجأته، فالجاهل عدو نفسه قبل أن يكون عدو غيره، لأنه بجهله يرتكب الحماقات، ولا يلقي بالا بالأفعال المنكرة التي يرتكبها، لأنه لا دليل يرشده، ولا هادي يساعده على ضبط انفعالاته وسوء سلوكه، ولا علم نافع يستعين به في تبرير مواقفه وتصرفاته التي غالبا ما تكون هوجاء رعناء مدمرة.
مغرض حاقد كاره، هذا الصنف من الناس خطير جدا، لأنه يبدو ظاهريا بمظهر ولباس المؤيد الحريص المؤمن، لكن واقع حاله خلاف ذلك تماما، فهو مثل المنافق يظهر التأييد والحماسة للمسئولين أمام أعينهم، لكنه يخفي أحقاده ومواقفه السلبية الطاعنة في المسئولين وفي الجهاز ليظهرها صريحة أمام الآخرين، فعندما يندس المغرض في أي جهاز يفسده، ويشوه صورته، ويجدد مواجعه في كل آن ومكان، وينفر الآخرين بسوء سلوكه وفجاجة تصرفاته.
رحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا