تحيي دول العالم هذا الشهر الأسبوع العالمي السنوي الحادي العشر للتعليم وهو حدث تحتفل به أكثر من 100 دولة. إنها فرصة بالنسبة لي لأعرب شخصياً عن تقديري لأهمية التبادل التعليمي الدولي في بناء التفاهم والاحترام المتبادل بين الدول وشعوبها والاحتفاء بالتعليم كوسيلة لتمكين وتعزيز لا الفرد فحسب، بل والمجتمع ككل.
عندما التقيت بطلاب وهيئات التدريس بعدد من الجامعات بمنطقة مكة المكرمة خلال زيارتي لها في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر الجاري تذكرت ما قاله مؤخراً وزير التعليم الأميركي أرني دنكن بخصوص التعليم في أيامنا الراهنة، حيث قال مؤخراً إن التعليم الكامل في القرن الحادي والعشرين يجب أن يعلم أبناءنا كيف أن العالم صار متكافلاً بصورة متزايدة.. وأن يساعد أبناءنا على تنمية المهارات اللازمة للتواصل والتعاون مع أولئك الذين ينتمون لأمم وحضارات أخرى وأن يصبحوا مواطنين وقادة عالميين.
لا أحد ينكر بأن العالم يصبح يوماً بعد يوم قرية عالمية معتمدة على بعضها البعض ولكل منا مصلحة فيه وفي دوامه وسلامه، التعليم سبيل جداً مهم لبناء ذلك العالم الذي نتوق إليه، وقد قال الرئيس بارك أوباما مؤخراً: (إننا جميعاً نتشاطر هذا العالم لفترة زمنية قصيرة)، وخلال هذه الفترة القصيرة التي نتشاطر فيها هذا العالم، وعندما يكون علينا أن نضع أيدينا بأيدي بعضنا البعض لمواجهة التحديات العالمية مثل إحلال السلام في مناطق النزاع وتوفير الأمن الغذائي والتحديات الاقتصادية، فإنه لزام علينا أن نتمعن فيما تعنيه رؤيا أسبوع التعليم العالمي لهذا العام: السعي نحو مستقبل مستديم.
لقد أثبت التبادل التعليمي جدواه كآلية لتطوير العلاقات التعاونية والروابط المستديمة ما بين الشعوب والدول على حد سواء وعلى إنتاج قادة مستعدين -وقادرين- على تنمية مثل هذه العلاقات التي من شأنها أن تجعل العالم الذي نعيش فيه أفضل. الأميركيون من جهتهم يسعون جاهدين لتحقيق هذا الهدف عبر إرسال ما يزيد عن 262 ألف طالب وطالبة إلى أنحاء المعمورة لنهل التعليم فيها، وهم كذلك يستضيفون ما يفوق 671 ألف طالب وطالبة من أكثر من 200 دولة في جامعاتنا وكلياتنا ذات السمعة العالمية، إنني أشجع المزيد من الطلبة الأجانب على مواصلة دراستهم في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أحض بلادي على إرسال أعداد أكبر من الطلبة الأميركيين للدراسة بالخارج.
وإننا نثني على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والحكومة السعودية لما بذلوه من جهود جبارة في النهوض بالتعليم لشعب المملكة العربية السعودية، إن التزام الملك عبدالله بتوفير التعليم القوي القائم على المعرفة لمواطنيه يتحلى في العديد من الطرق، بما في ذلك تخصيص 23 في المائة من الميزانية العامة الدولة للتعليم، ومن سمات هذا الاهتمام أيضاً رعاية المملكة المعرض الدولي السنوي للتعليم العالي، الذي سينظم هذه السنة في الرياض في أبريل 2011، هذا المعرض الذي يتيح للطلاب السعوديين المهتمين بمواصلة دراستهم الالتقاء بممثلي المئات من الجامعات من جميع أنحاء العالم.
ومن بين البرامج التعليمية وبرامج الابتعاث الخارجي المتعددة التي توفرها الحكومة السعودية لطلبتها برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، والذي تم تمديده لخمس سنوات إضافية مؤخراً، وسيقوم هذا البرنامج بإرسال ما يصل عددهم إلى 10.000 من أذكى وأفضل طلبة المملكة هذا العام إلى جميع أنحاء العالم للحصول على الشهادات الجامعية الأولى وشهادات الدراسات العليا، وإنه لشرف كبير لي أن أرى أن أكثر من نصف هؤلاء الطلاب الذين تم اختيارهم مؤخراً للمشاركة في هذا البرنامج (أي ما يزيد عن 5000 طالب وطالبة سعوديين) قرروا الدراسة في الولايات المتحدة في العام الدراسي القادم، إنني فخور بأن الولايات المتحدة التي تضم أكثر من 4000 مؤسسة بارزة للتعليم الجامعي، ما تزال الوجهة الأولى للطلاب السعوديين ومع وجود أكثر من 30.000 طالب سعودي في الولايات المتحدة حاليا فإن المملكة لديها أكبر عدد من الطلاب الذين يدرسون في الولايات المتحدة ضمن دول الشرق الأوسط، وإنني سعيد أن أشير أيضاً إلى أنه وحسب تقرير (أبواب مفتوحة) للعام 2010م فإنه في حين ارتفعت نسبة الطلبة الأجانب الدارسين في الولايات المتحدة بـ(3%) العام الماضي عن العام الذي سبقه، فإن نسبة الطلبة السعوديين الدارسين في الولايات المتحدة العام الماضي ارتفعت بنسبة 25%، وهو ما يجعل المملكة سابع أكبر دولة مرسلة لطلبتها للدراسة في الولايات المتحدة بعد أن كانت في المرتبة العاشرة في العام الذي سبقه، إن هذا ليعكس بوضوح الاستثمارات الضخمة التي تخصصها الحكومة السعودية في برامج الابتعاث الدراسي الخارجي لديها وكما قلت في واشنطن مؤخراً فإن هذا دليل على وصول التعاون بن الدولتين إلى درجة غير مسبوقة.
ومن أجل تسهيل سفر الطلاب السعوديين إلى الولايات المتحدة، طلبت من القنصليات الأميركية في المملكة جعل تأشيرات الطلاب من أولى اهتماماتها ولهذا القرض فإن القسم القنصلي في الرياض سيخصص عدداً مما نسميه بأيام (الاثنين الكبير) في شهري ديسمبر ويناير المقبلين، وهي أيام تخصصها لمعالجة تأشيرات طلبة برنامج الملك عبدالله للابتعاث وبهذه المناسبة، فإني أرحب وأهنئ ضيوفنا وأصدقاءنا الجدد وأعدهم ببذل قصارى جهدي في مساعدتهم للحصول على تأشيراتهم في أسرع وقت ممكن. إن التزامنا بالطلاب السعوديين لا يقف عند هذا الحد، بل إننا نوفر معلومات محدثة عن الفرص التعليمية المتوفرة في الولايات المتحدة وإرشادات لأولئك الذين يودون الاستفادة من تلك الفرص من خلال مكتب الإرشاد الطلابي في سفارتنا في الرياض وقنصليتنا في جدة والظهران.
إن التبادل الثقافي بين بلدينا يتعدى ابتعاث الطلاب للخارج إذ إن المؤسسات التعليمية تتواصل عبر الحدود للحصول على معلومات قيمة من بعضها البعض وتبادل المعرفة والخبرات، فالعديد من الجامعات السعودية تتمتع بشراكات أميركية منذ زمن طويل مثل جامعة جازان التي تستضيف عدة برامج ابتعاث مع جامعات أميركية مثل جامعة جورج واشنطن أما جامعة الأمير نايف للدراسات الأمنية فلديها شراكات مع عدة جامعات أميركية بما في ذلك علاقة جديدة أقامتها مع جامعة جورجيا في قسم الأمن النووي كما وقعت جامعة طيبة مؤخراً اتفاقية تعاون مع كلية الطب بجامعة جونز هوبنكنز.
والواعد بصورة متساوية أن عدة جامعات سعودية تم اعتمادها في الولايات المتحدة مثل جامعة القصيم التي تم اعتمادها الشهر الماضي من قبل مجلس الاعتماد الأميركي للهندسة والتكنولوجيا، أما جامعة الملك عبدالعزيز فنالت اعتماداً لكلية المجتمع فيها من قبل لجنة الاعتماد الأميركية في التعليم وأصبحت أول كلية مجتمع تم اعتمادها أميركيا في الشرق الأوسط وبدأت جامعة جبيل عملية نيل الاعتماد مع جامعة كنتاكي الشمالية، إنني أهنئ هذه المؤسسات التعليمية السعودية الرائدة على إنجازاتها الرائعة التي تساعد على جمع شعبينا.
إننا باحتفائنا بأسبوع التعليم العالمي إنما ننضم إلى أصدقائنا السعوديين في تشجيع وتعزيز النمو الصحي لشبابنا ولأنظمتنا التعليمية، كما وهو الأهم، لصداقتنا العميقة، وإننا إذ نعمل معا في شراكات وثيقة، فإننا نزيد من فرص التواصل العالمي والتبادل التعليمي والتعلم المتبادل بين بلدينا، كا نزيد فرص بناء أسس دائمة لصداقة قوية وعميقة بين بلدينا وشعبينا.
خاص بـ الجزيرة - سفير الولايات المتحدة الأميركية في المملكة العربية السعودية