قرأت في صحيفة الجزيرة مقالين لمحمد بن عبداللطيف آل الشيخ أحدهما بتاريخ 12 -12 -1431هـ، والثاني بتاريخ 15-12-1431هـ وعنوان المقال الأول (البرقع مسألة فيها نظر) والثاني (والكشافات أيضا حرام).
اشتهر الأخ محمد بهجومه الكاسح وغير المنطقي على الهيئات والمؤسسات الشرعية التي أنشأها ولي الأمر بأوامر ومراسيم ملكية وفي هذا الأسلوب ما فيه من الخطورة على الأمن وهيبة الدولة ومؤسساتها لأن النقد البناء لا يعارضه أحد، أما النقد الذي يتضمن الهجوم والتعميم وتصفية الحسابات فهو الخطر وخطورته تظهر فيما يلي:
1- مكث العلماء والدعاة وأهل الفكر والعقل سنوات عديدة وهم يدافعون عن ولاة الأمر والعلماء ومؤسسات الدولة من الهجوم الناصري والبعثي في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات؛ فقد اتهمت الدولة بأنها دولة رجعية واتهم العلماء بأنهم علماء سلاطين، وتم التغلب على هذا الفكر، ثم نشأ بعد ذلك فكر التطرف والغلو وهو قسمان: تطرف وغلو ديني، وتطرف وغلو ليبرالي، فالغلاة الدينيون كفروا الدولة والعلماء بل وكل من يعمل في أجهزة الدولة وقاموا بالتفجيرات وسفك الدماء وقتلوا الآمنين من مسلمين ومعاهدين واتهموا العلماء وكل من يقف مع الدولة بأنهم علماء سلاطين وأنهم يجهلون الواقع، وبعد جهود عظيمة بذلت من الدولة والعلماء والدعاة وأهل الفكر بتوجيه من ولاة الأمر تم كشف وفضح هذا الفكر، وكان العلماء والدعاة يحثون الشباب على الرجوع إلى العلماء ويقولون: إن منهج التلقي الصحيح ينبثق من قول الله سبحانه {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، وقد ذهب المفسرون في تأويل أولي الأمر الذين يستنبطون الأمر من الأمن أو الخوف أو يستخرجون معناه بفطنتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكائدها إلى ثلاثة أقوال، الأول: أنهم كبراء الصحابة ذوي الرأي منهم البصراء بالأمور. الثاني: أمراء السرايا الذين كانوا يؤمرون على السرايا لأن لهم أمرا على الناس. الثالث: هم أهل العلم والبصيرة والعقول الراجحة الذين يرجع إليهم في الأمور الهامة. ويترجح لدي أن الآية تشمل الأصناف الثلاثة ولم يخص أولي الأمر بالاستنباط دون الرسول، وفي ذلك دليل على أن للجميع الاستنباط والتوصل إلى معرفة الحكم بالاستدلال.
أما الغلاة الليبراليون أو من يسمون أنفسهم بالتنويريين فيهاجمون العلماء الذين نصبهم ولي الأمر ويشككون في مرجعيتهم وينتقصون من هيبتهم ويؤلبون عليهم العامة ويهاجمون أي مؤسسة يشرفون عليها ويجعلون من الحبة قبة ومن الخطأ البسيط خطأ جسيما بل وينالون من أجهزة الدولة باسم النقد وحرية الرأي وينشرون الكراهية والصراع بين فئات المجتمع، والغريب العجيب أنهم يتفقون مع الغلاة الدينيين في ثلاثة أمور رئيسة يشاهدها كل من يقرأ ويسمع لهم وهي: الأول: محاولة النيل من العلماء بمهاجمتهم في الصحف الورقية والإلكترونية وما فتوى الكاشيرات عنا ببعيدة. الثاني: الانتقاص من هيبتهم وتجهيلهم وأنهم لا يعرفون الواقع ولا ينزلون إلى الميدان وهذا هو عين فكر القاعدة.
الثالث: الافتئات على المرجعية الشرعية التي نصبها ولي الأمر وذلك بقولهم: إن الدين يعرفه الجميع ولا يحتاج إلى أن يكون لدينا كهنوت على حد قولهم، فتراهم يتكلمون في أمور دينية لا يفقهونها، ككلام أخينا محمد بن عبداللطيف عن البرقع والسندات والأسهم وهلم جرا وهذا عين فكر الإرهاب والتطرف الديني.
2- أن الجهود التي بذلت في السنوات الماضية قد تذهب أدراج الرياح إذا استمر البناة يبنون ولكن أهل الهدم يهدمون ولا شك أن الهدم أسهل من البناء، وكما قال الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبني وغيرك يهدِمُ
فالأخ محمد في مقاله الموسوم ب(البرقع مسألة فيها نظر) اتسم بالتعميم وإليكم بعض المقتطفات من مقاله، حيث قال: (آخر خزعبلات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) انظروا التعميم أيها القراء!!
ويقول: (مسخرة بصراحة لم يعرفها أي عصر من عصور الإسلام والتاريخ أمامكم فاقرأوه) وكأن الأخ محمد في هذا الأسلوب التعميمي لم يقرأ تاريخ القرامطة والعبيدين { أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
ويقول أيضا: (هذا التصريح الفضيحة أشعر بورطة الرئيس العام للهيئات) ما هذا التعميم يا محمد؟ أو كلما أخطأ موظف على فرض أن هناك خطأ تورط المسئولون؟ لا يا هذا، هناك أنظمة تحكم كل جهاز ويحاكم الموظف على ضوء هذه الأنظمة ولا يتورط أحد.
ويقول: (وفي رأيي أن الرئيس العام للهيئات مسؤول مسؤولية مباشرة عن مثل هذه الخزعبلات..الخ) هل أصبحت يا أخ محمد الذي يحدد المسؤوليات من عدمها؟ قل لي ما منصبك في الدولة الذي يؤهلك لأن تحمل فلان أو علان، سبحان الله العظيم ما هذا الغرور؟ وما هذا الافتيات على ولاة الأمر؟ هناك أجهزة مكلفة بالمراقبة مثل هيئة الرقابة والتحقيق ثم إن الرئيس العام مرتبط بالملك مباشرة فالملك يحدد مسؤولياته وتراقبه الأجهزة التي كلفها بالمراقبة ولست أنت يا هذا.
تذكرني بعنتريات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات الميلادية (عاوزين نرمي إسرائيل في البحر.. الخ) عنتريات القرن المنصرم.
أما قولك: (إن نظام الهيئة ولوائحه التنفيذية تعطي العضو سلطات دون أن يكون هناك ضوابط محددة لممارسة سلطاته) فأقول: هذا غير صحيح ولكنك لم تقرأ النظام ولا لوائحه التنفيذية وإنما أنت مهرطق مثرثر ليس إلا، وكيف تتهم الدولة بأنها تصدر أنظمة دون أن تحدد الضوابط والأسس لممارسة هذا الجهاز أو ذاك لسلطاته؟ أم أنك تريد أن تؤلب علينا بعض المنظمات الدولية المتصهينية من حيث تشعر أو لا تشعر؟ وقد وقع من قبل بعض دهماء المسلمين في مثل ما وقعت فيه عندما أثار بعض المنافقين واليهود شبهة أن عثمان -رضي الله عنه- يولي الأقارب ويعطيهم من الأموال ما لا يعطي الآخرين فأتى الدهماء من شتى بقاع الأرض إلى المدينة وشاركوا في جريمة تاريخية وقبل ذلك دينية في الثورة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- نتيجة فتنة يهودية منافقة فاسدة.
أما ما يتعلق بتغطية عيني المرأة إذا كانت مثيرة للفتنة فهذا أمر معلوم عند العلماء مبثوث في مصنفاتهم وكتبهم، بل إنّ الحنفية المجيزين لكشف وجه المرأة قالوا: إذا أمنت الفتنة، فأما إذا توافرت أسباب الفتنة وجب أن تغطي وجهها، والأمر متروك لمن وكل إليه الأمر فإنه لا يتولى مثل هذه الأمور إلا طالب علم يعرف الأحكام ويقدر الأمور بقدرها، وقد يخطئ عضو الهيئة فيحاسب مثله مثل أي مسؤول في جهاز آخر، أما خوفك من وسائل الإعلام الغربية فلا تقلق يا أخي فقد اعتاد الغربيون على فظائع وفضائح كثيرة (دونك موقع ويكيليكس كمثال على ذلك وأيضا فضائح بعض الزعماء الغربيين وكذبة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ومجازر البوسنة والهرسك وفلسطين وأفغانستان وهلم جرا) فلا تخف ولا تحزن على الغربيين وخفف من روعك. أما ما يتعلق بالكشافات فأبشرك أن عندنا من الكشافين ومن رجال الأمن ما يجعلنا لا نحتاج إلى المرأة في الكشافة ونزج بها في عمل غيرها فهذا العمل لا يناسبها، نريد أن تكون داعية في الحج وموجهة لا أن تجوب الشوارع ، يقول مصطفى السباعي رحمه الله: «إذا أرادت المرأة المسلمة أن تتشبه بالمرأة الغربية فعليها أن تدرك أنها ستشابهها في كل شيء فتراها تكنس الشوارع وتقود سيارات النقل الكبيرة وتمسح الجزم في الشوارع وتقوم بأعمال شاقة لا تستطيع أن تقوم بها المرأة لأن طبيعتها تختلف عن طبيعة الرجل وخلقها يختلف عن خلقه»، ولأن المرأة الغربية كما يقول العلامة د. مصطفى السباعي -رحمه الله- في معنى كلامه (إذا بلغت في الغرب ستة عشر عاما وجب أن تعتمد على نفسها في النفقة وتخرج من بيت أسرتها). أما الفتاة المسلمة فإن أباها ينفق عليها إلى أن تتزوج ولو بلغت أربعين عاما كما أن الابن يصرف على أمه وأخواته وجوبا إذا كان الأب لا يستطيع أو أنه ميت، هذا نظام الإسلام وذاك نظام الغرب فأي الطريقين أهدى يا ابن عبداللطيف؟
وأما جواز خروج المرأة لعمل الكشافة فهذا مما ينبغي أن أحتكم أنا وأنت فيه إلى الهيئة الشرعية التي قصر ولي الأمر الفتوى عليها إلا إذا كنت لا تعترف بها فتلك مسألة أخرى.
وأما وصفك للمخالفين بالمتعصبين فأين الديموقراطية؟ ألست من دعاة الرأي والرأي الآخر؟ أم أنها حرية بوش وبلير من لم يكن معي فهو ضدي؟ أم أنها ديمقراطية الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وقد سمعنا جمهوريات عربية كثيرة الديمقراطيات في شعاراتها ولكنهم ينصبون المشانق لمن خالفهم، ألا ترى أنك قد أصبت بمرض هؤلاء؟
أسأل الله أن يوفقني ويوفقك للعمل الصالح، ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه. والله الموفق.
أ.د. محمد بن يحيى النجيمي