كتب - عبدالعزيز المتعب
نسعد «بمدارات شعبية» بهذا التفاعل المشرف الكبير الذي ورد إلينا حول ما طرحناه - هنا - في وقت سابق بشأن تدريس قصائد حربيات (شعر العرضة) الذي قدمه شعراء الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - تحت رايته حيث كانت الردود مؤيدة من كافة أرجاء الوطن ومن المسؤولين والأكاديميين وشباب الوطن الكريم ونختصر فحوى ما ورد إلينا بالنقاط التالية وإن كنا نجزم بأن الشعور الأصيل الوطني لا يختزله مدى أو حيِّز، ولكننا نحاول ما استطعنا تسمية أسباب ما ذهبوا إليه:
الجانب السياسي:
الكل يدرك أن مؤسس هذا الوطن هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، وبالتالي فإن ما يشرف الأجيال السعودية محبة هذا الملك الفذ العظيم جزاه الله خير الجزاء عن كل المواطنين من كل جيل، وما مراحل توحيد الوطن التي وثقها شعراؤه إلا جزء من تاريخ الوطن السياسي الذي يجعل كل مواطن سعودي من كل الأجيال المتلاحقة يرفع رأسه عالياً بإنجاز هذا الموحد الفذ البطل الذي حقق معجزة لم يحققها أحد في تاريخ الجزيرة العربية من قبله ووحد الجميع تحت راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله وطبق كتاب الله وسنّة نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ولم يتأتى له كل ذلك إلا بالشجاعة والإرادة التي لا تقبل التنازل قيد أنملة عن كل ما هدف إليه من غاية نبيلة طيب الله ثراه. نحن اليوم كمواطنين من كل أنحاء المملكة العربية السعودية نتفيأ في ظل ما قدّمه هو ورجاله الأفذاذ الأبطال ولولا الله ثم جهوده لبتنا كما كنا يأكل القوي منا الضعيف ولأصبحنا في (غابة بشرية) كما كنا عليه وهذا واقع لا ينكره إلا مكابر أو متنصل من تاريخه.
الجانب التاريخي:
هناك مقولة مشهورة نصها: (كما تزرع تحصد As you sow so will you reap) وبالتالي فإن معرفة النشء السعودي بتاريخ وطنه وتاريخ موحده -طيب الله ثراه- أمر له جوانبه الإيجابية العديدة المؤثرة في تنوعها، ولو حصرنا الأمر على عجالة في محور هو سلبية الشبكة العنكبوتية التي يحاول - خفافيش الظلام - من أتونها التقنّع بأسماء مستعارة وهذا ديدن الجبناء في كل زمان ومكان ليصطادوا أبناءنا ويغسلوا عقولهم بأفكارهم الهدامة وبث سمومهم - دمرهم الله وكشف أمرهم ودحرهم إنه سميع مجيب - أليس من الأجدى تدريس الشعر الوطني - شعر العرضة - ليؤدي أبسط أدواره التاريخية - كجرعة ولاء مكملة للبيت والمدرسة - تقف حائلاً دون من يحاولون اختراق أيدلوجية أبنائنا ومفاهيمهم وتاريخ وطنهم المشرف الحقيقي ليجدوا في المقابل مفاهيم وطنية راسخة هي جزء من محفوظات هذا الابن البريء الذي يعتقد ويتوهم الحاقدون المقنعون أنه صيد ثمين لاختراق براءة أفكاره، والوقاية - كانت دائماً وأبداً - خير من العلاج.
الجانب الاجتماعي:
المجتمع السعودي بأسره يدين للملك الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - بالفضل بعد الله في جمع شتات هذا المجتمع والكثيرون يحفظون قصائد العوني، وابن صفيان والعريني، وابن دحيّم، والأمير خالد بن أحمد السديري وغيرهم، لكن لا بد من تجدد الأجيال وهذه طبيعة الحياة، وبالتالي فإن توثيق الشعر في كتاب أمر مقبول في شعر الغزل وغيره أما شعر شعراء الملك عبدالعزيز فإن من يحفظونه اليوم عن ظهر قلب لن يروونه لاحقاً إذا انتقلوا إلى رحمة الله، وبالتالي فإن توثيقه وإبقاءه على رفوف المكتبات كغيره تصرف سلبي لن تغفره لنا الأجيال اللاحقة.
الجانب الأدبي:
الشعر الشعبي وخصوصاً الجزل منه (اللي على قول وفعل) من أي زاوية تناوله المنصف هو مُشرِّف ويجب الاحتفاء به وتفعيل دوره بعيداً عن «الحماس أو المزايدة على وطنية الآخرين»، أما من يحصرون معنى الشعر في (القالب) أو (النحوية) الجامدة التي يُقدَّم فيها من خلاله دون التركيز على المحتوى ومعدن الشعر وروحه يغيب عنهم أن (الأعمال أعلى صوتاً من الأقوال Actions speak louder than words) وبالتالي فإن قصائد شعراء الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لا تتحدث عن الضغائن والعصبيات المنتنة بين القبائل التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم ب(المنتنة) والتي تهدم ولا تبني، بل تتحدث عن تاريخ مُشرِّف يعني كل السعوديين حاضرة وبادية بمختلف شرائحهم ومستوياتهم العلمية، ثم إذا كانت المسألة (فصيح وشعبي) كيف يباركون تجاوزات أبو نواس ونزار قباني ومظفر النواب؟! وغيرهم، إذاً المسألة ليست قالب اللغة ووعاءها بل محتواها.
بدليل أن هناك من كتب قصائد الفصيح وكذلك العرضة من الجيل الحالي كالشاعر عبدالله بن خميس والشاعر معيض البخيتان الذي قال في حربية جزلة مخاطباً سيدي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أطال الله عمره وأدام عزه:
بو فهد يا عيدنا في الزمان الملتوي
والوريع اللي يقص الصليب من الحديد
ياخو نايف والفهد يوم للمدفع دوي
والمنايا تطرّد في الثنادي والوريد
كلمة وفاء:
الشيخ عبدالله بن خميس وثق الكثير من هذا اللون المشرف من الشعر في كتابه (أهازيج الحرب أو شعر العرضة) ونختار منه هنا قصيدة للأمير الشاعر خالد بن أحمد السديري وهو ركن في دولة الملك عبدالعزيز وابنه سعود وابنه فيصل قائد جيوش وسرايا وأمير مقاطعات - وزير عرف بإخلاصه وتفانيه في سبيل قيام هذا الكيان والحفاظ عليه..
وهو من أسرة شريفة ومن مقام كريم ومستوى متناهٍ في الكرم والعز وحسن الأحدوثة - ثم هو وقبل غاية في التواضع وحسن المعاشرة وطيب الذكر والعقل وحسن التدبير.. ثم هو شاعر مجيد في الشعر الفصيح والشعبي له في كليهما مشاركة جيدة ومواقف محمودة وجزالة وقوة.. خالد السديري علم من أين ما تعرفت على شخصيته في جانب من جوانب الفضل وجدته نابهاً متمكناً). ومن قوله في شعر العرضة، (ذروة المجد):
قال من هو تَمثَّل في كلامه
كلمة الحق هي خير الدلايل
ذِرْوَة المجد في حجر اليمامه
لابةٍ عزّها من عصر وايل
مركز الطيب هم ذروة سنامه
فعلهم بين كل الناس طايل
هم هل المجد عنوان الشهامه
بالملاقي يروون السلايل
بيرق النصر حطّوا له علامه
رايةٍ ظللت كل القبايل
دار عدوانهم صارت هدامه
عزهم راح مثل الفي زايل
وضدهم راح ما حصل مرامه
ذاق من نسل عدنان الغلايل
هيه ياللِّي مثل خشف العدامه
أريش العين يا ضافي الجدايل
لا تعشقين من تَرَّك مقامه
يوم شاف المشوّك له شعايل
صار قلبه مثل قلب النعامه
ارتجف يوم شاف الدم سايل
تَرَّك المرْجِلّه يبغي السلامه
صد عن درب ماضين الفعايل