ما زال علم الإدارة يعاني الأمرَّين في العالم العربي تحديداً، لأنه حتى الآن لم يصنف كمهنة محددة المعالم، مثلها مثل: الطب، الهندسة، المالية، وهذا ما جعل الوظائف الإدارية على مستوى الإدارة العليا والوسطى والدنيا لا تخضع لتصنيف محدد، ولا لمؤهلات دقيقة، فيمكن للشخص أن يكون وكيل وزارة أو مدير عام أو رئيس قسم أو مدير شعبة دون أن يكون حاملا لأي مؤهل إداري واضح (يتعين) على أساسه، مثلما (يتعين) الطبيب طبيبا بعد أن يحصل على شهادة الطب كمؤهل أكاديمي وعلى (تصريح) من ديوان الخدمة بمزاولة هذه المهنة وفقا لتصنيف واضح ومحدد ودقيق.
تغييب الإدارة كمهنة على مستوى (الخدمة المدنية) يجعلها عرضة لدخول أناس غير مؤهلين يؤثرون سلباً في مسيرة العمل الإداري داخل المنظمات، وهذا لا يلحظه إلا متخصص في علم الإدارة عندما يشاهد سلوكاً إدارياً مرتبكاً عبارة عن (تقاليد إدارية) يحكمها مبدأ الصواب والخطأ وليس منهجية إدارية مستقاة من علم الإدارة.
نلحظ هذه المشكلة بوضوح في الدوائر الحكومية التي لا يحكمها أي مؤهل إداري بقدر ما يحكمها العلاقات الشخصية، فيمكن للشخص أن يتحمل مسؤولية منصب إداري دون أن يكون حاملا لأي مؤهل إداري على مستوى البكالوريوس أو الدراسات العليا يسعفه في إدارة جهازه الإداري بكفاءة (عمل الأشياء بطريقة صحيحة) باتباع النظم والقواعد المتعارف عليها في علم الإدارة، وكذلك إدارتها بفعالية (عمل الأشياء الصحيحة) بالتركيز على الأشياء التي يجب فعلها في موقف معين للحصول على نتائج يمكن قياسها.
حتى هذه اللحظة، لم تصل الإدارة ك(مهنة) مستوى المشكلة لدينا، على الرغم من أهميتها في نجاح المنظمات والمشروعات، فلا نتخيل مثلا أن يتصدى شخص لإدارة جهاز ثقافي أو تربوي أو خيري دون أن يكون ملماً بمهارات إدارة الموارد البشرية وإدارة الجودة الشاملة وإدارة النظم وإدارة الأعمال وإدارة المعرفة وإدارة المشروعات وفن القيادة واتخاذ القرارات وحل المشكلات والعلاقات الإنسانية وغيرها من فنون الإدارة ومهاراتها.
قد يكون لدى القطاع الخاص وعي عميق بهذه النقطة على مستوى المنظمة، وذلك حين يرفع رواتب القياديين لديه، المتخصصين في علم الإدارة، إلى معدلات لا تقارن بالقطاع العام، نظرا لأنه يعرف أهمية أن يقود الدفة رجل مؤهل بعلوم الإدارة، فالمتخصصون في قطاع الأعمال لا يجدون مشكلة في الالتحاق كعاملين أو كقياديين بالقطاع الخاص طالما أن التخصص الإداري بات مسلمة غير قابلة للجدل لنجاح القيادي في تحقيق أهداف المنظمة في وقت يتحقق معه أهداف الأفراد المنتسبين لها.
