نأتي إلى هذه الدنيا توثق حضورنا إليها ورقة؛ وتوثق أخرى رحيلنا عنها، وما بين هذه وتلك ننتقل من مرحلة تعليمية، اجتماعية إلى أخرى بأوراق شتى. ومهما حاولنا الاعتماد على التقنيات الحديثة لتوفيركميات الأوراق إلا أنه يبقى للورق تلك الميزات التي تعجز عن تقديمها ما سواه من خيارات، ولقد لاحظت في عدد من الدورات التدريبية التي حضرتها عن مهارات وتقنيات التعليم استخدام السبورة الورقية على الرغم من حضور السبورة الذكية التي لم يلغ حضورها حضور سابقتها، حيث يبقى لوقع القلم سواء كان رصاصا أو حبرا على سطح الورقة إحساسه الخاص الذي لا يسده غيره.
لذلك أجدني في المجال التشكيلي أصر على ضرورة وجود الورقة والقلم كرفيقي درب يصحبان الفنان في حله وترحاله، لما لهما من خصوصية في إحداث الأثر الحسي والمعنوي لتسجيل الاسكتشات السريعة أو حتى الدراسة الدقيقة لما تلتقطه عين الفنان ويترجمه إلى خطوط ومساحات، هذه النقطة كانت محل نقاش في عدد من اللقاءات الثقافية عن الفنون الرقمية، التي بدأت تأخذ حيزاً مهماً ضمن تصنيف مجالات الفن التشكيلي، إلا أن ما يثير الجدل أحياناً السؤال من الأهم الرقمي أم التقليدي؟ وهو سؤال ليس في محله فأهمية التصوير الضوئي لم تلغ وجود التصوير التشكيلي أو النحت على سبيل المثال. وقياساً على ذلك في إقامة المعارض والمسابقات، حيث لا تجوز المفاضلة بين اللوحات الزيتية والرقمية سوية فكلاهما ينتمي لمجالين مختلفين تماماً، وسيكون من الجور استعلاء أحدهما على الآخر سواء الرقمي بحجة أنه الأحدث المتماشي مع تطور التقنيات فيجُبّ ما قبله أو أن التقليدي هو الأصل وما سواه طارئ لا يعتبر به! وسيكون من العدل المفاضلة بين الأعمال ضمن مجالاتها كلاً على حدة.
Hanan.hazza@yahoo.com