حمل الأسبوع الماضي معه خبراً كان بمثابة صدمة إن جاز التعبير بتثبيت الهند لرسوم إغراق على منتجات البولي بروبلين المصدرة لها من ثلاث دول هي: السعودية وعمان وسنغافورة.. ولم تكن الإجراءات الهندية جديدة.. فقد سبقها وضع رسوم احترازية منذ العام الماضي إلى حين اكتمال التحقيق حول إذا ما كانت الشركات المنتجة من هذه الدول قد مارست فعلاً الإغراق بأسواق الهند وتثبيت الرسوم لخمس سنوات يقطع الطريق على أي مفاوضات ممكنة مع الجانب الهندي.. فقد بدأت فعلياً ولم يعد هناك مجال لاستخدام الطرق الدبلوماسية.. فالمواجهة مع هذا الموقف أصبحت واقعاً يتطلب تحركاً من نوع آخر.. بل وأكثر دقة في منهجيته واعتماد الأولويات للرد عليه.. وبالنظر إلى حيثيات القرار فإن كل ما تضعه منظمة التجارة العالمية من شروط لفرض رسوم إغراق من أي دولة على سلع مصدرة لها لا تنطبق على الحالة التي نعيشها حالياً فلا تعد أي دولة من الثلاث التي فرضت عليها الرسوم مستحوذة على حصة تزيد أو تصل إلى 3% من حجم استهلاك السوق الهندي الذي يقدر بحوالي 1.8 ألف طن سنويا والقابلة للزيادة نتيجة التسارع في نمو الاقتصاد الهندي.. كما أن الدول الثلاث مجتمعة تمثل حصتها 6.5% من حجم هذه السوق حيث يصدرون له 114 ألف طن.. وفي منظمة التجارة العالمية هناك شرط بأن تكون القرارات المتخذة ضد دول تصدر سلعة مشتركة بينهم من حيث النوع مبنية على الحصة الكلية بشرط أن تتعدى 7%.. وهذا ما لا ينطبق على الدول المعنية بالقضية أيضاً.. هذا بخلاف أن الهند وقَّعت مع المملكة باتفاق انضمامنا لمنظمة التجارة على أن أسعار اللقيم الغاز في المملكة مدعومة بصيغة معينة.. أي أنها تعرف تماماً حجم الدعم المقدم لهذه الشركات التي تنتج البروبلين والبولي بروبلين لكن فرض الرسوم لا بد أن ينظر له بأكثر من بُعد فهو يستهدف بدرجة رئيسة حماية المصنّعين الهنديين كون منافسة دول الخليج تحديداً لهم كبيرة.. وهذا يتنافى مع منطق التجارة بعالم اليوم المفتوح على بعضه.. كما أن هناك نقاطاً أخرى لا بد أن الطرف الهندي فكر ملياً فيها.. فهو يريد أن يلفت النظر لسوقه من جانب إجبار الشركات الكبرى بأغلب الدول وخصوصاً الخليجية لفتح آفاق تعاون مشترك وضخ استثمارات بالسوق الهندي بدلاً من بقاء أسلوب الاستيراد لأن في ذلك استقرار بالإمدادات وكذلك تعظيم للفائدة الاقتصادية للهند.. فمعروف أن السوق الهندي تُعد من الواعدة بشكل كبير حالياً ومستقبلاً وهي تستفيد من التجربة الصينية في عملية رفع مستوى الإنتاج المحلي وكذلك تعميق علاقة الشركات الهندية مع الخارج من خلال الاستثمار المشترك داخل وخارج الهند كما فعلت الصين.. فهي تريد الاستفادة من خبرات الآخرين.. وكذلك المزايا النسبية التي يتمتعون بها لكن الرد على الإجراء الهندي لم يكن مُرضياً منذ البداية لكل الأطراف المصنعة.. وهذا باعتراف أكثر من مسئول بتلك الشركات كون أن الحجج الهندية ضعيفة أصلاً وكذلك تخوفاً منهم أن يتكرر هذا الأمر بأسواق أخرى.. وبالتالي تصبح كل المزايا التنافسية للصناعات البتر وكيماوية المحلية بدون فائدة.. لكن بالمقابل نرى أن دولتين من الثلاث دول هي خليجية.. وهذا الأمر تكرر في الصين بأن هناك أكثر من دولة خليجية واجهت نفس المأزق أيضاً وقد يتكرر في أماكن أخرى.. فإذاً لا بد من أن يكون التحرك جماعياً من دول الخليج خصوصاً أن هناك تجمعاً لمصنعي البتروكيماويات الخليجيين.. وهناك مجلس تعاون فيه العديد من اللجان والهيئات الاقتصادية.. وهناك اجتماعات دورية لوزراء التجارة والصناعة.. وكون دول الخليج كلها تجتمع على ميزة امتلاك الطاقة.. وبالتالي سهولة منافسة المنتجات المشتقة منها.. واعتبار أن الصناعة القائمة على مشتقات الطاقة هي إستراتيجية بالنسبة لدول المجلس.. وكذلك هي حاضرها ومستقبلها فلا بد أن يكون هناك هيئة متخصصة ذات صلاحيات واسعة تقوم هي بالتصدي لأي قضية من هذا النوع تواجه سواء دولة خليجية أو أكثر مع أي طريق خارجي حتى يكون التصرف جماعياً وتحسب له الدول ألف حساب لأنها ستحرم من كامل السوق الخليجي والضرر سيأتيها من اتخاذ الدول لخليجية الست لإجراءات مضادة لها فيكون التصدي كبيراً وواسع النطاق, وهناك تجارب وأمثلة عديدة تستطيع دول الخليج الاستفادة منها سواء تلك التي قامت بها بشكل جماعي أو التي طبقتها تكتلات معروفة كالاتحاد الأوروبي في قضايا عديدة.. إن الوقوف بحزم اتجاه الحماية الدولية التي تفرضها اليوم بعض الدول اتجاه الصناعات الخليجية المميزة بالبتروكيماويات يتطلب وضع هذه الصناعة ضمن أولويات تنظيم وتكامل العمل الخليجي الاقتصادي المشترك في مجال توسيع قاعدة الاقتصاد للمنطقة والمحافظة عليها كاستثمارات ومصدر دخل كبير ومشغلة للأيدي العاملة المحلية.. وبالتالي فإن المصلحة الخليجية تقتضي إنشاء مجلس خاص أو لجنة أو هيئة يكون صلب عملها وجوهره دعم وحماية الاقتصاد الخليجي بجوانبه الإستراتيجية المهمة ومنح هذه اللجنة صلاحيات واسعة في طرق التعامل مع أي دولة تستهدف النيْل من هذه الصناعة وإلزام كل الدول الخليجية بتنفيذ الخطوات التي يتم اتخاذها للرد على أي دولة مهما كان حجمها تقوم بإجراءات تعسفية ضد الشركات الخليجية.