يقول مؤسس جماعة الإخوان المصرية حسن البنا في كتابه (أحاديث الجمعة) ما نصه: (أول الفساد أن تفسد المرأة فيتبعها الشاب فتهمل الواجبات فيفسد الفرد ويسكت الناس عن الأمر والنهي.. بل يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً).. فالمرأة حسب معادلة البنا تكون هي الجذوة التي تشعل فساد المجتمع، ويترتب على فسادها بالتالي فساد الشاب (الذكر)، ثم يتطور الأمر، ويعم الفساد، لتنقلب معايير المجتمع فيصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً.. ويعلق الباحث التونسي (عبدالرحيم بوهاها) على مقولة حسن البنا هذه في كتابه (الإسلام الحركي) بالقول: (إن إرجاع مظاهر الخلل والفساد في المجتمع المسلم إلى المرأة واعتبارها أصل الشر في الكون هما تعبير عن العقلية الميثية المسيطرة ولكنهما في الآن نفسه يعكسان نظرة إلى المرأة لا ترى فيها إلا أنوثتها، والجانب الجنسي المادي فيها.. فالمرأة وفق هذا التصور هي عامل إثارة وفتنة.. وإذا لم تحاصر فإنها ستقود إلى هز النظام الاجتماعي والأخلاقي وتقويضه بما يزيد في ابتعاد المسلمين عن دينهم).. ومن يقرأ في أدبيات الحركيين السعوديين يجد أن هذا التصور (الإخواني) للمرأة هو المرتكز الفلسفي الذي يتعامل الحركيون الإسلامويون السعوديون على أساسه.. فالمرأة عند الحركيين هي دائماً مشروع (إفساد) مُحتمل؛ وبالتالي كلما ضيَّقت عليها، وراقبتها، وحاصرتها، وكبلتها بالقيود، فأنت تساهم - حسب طرحهم - في إصلاح المجتمع والعكس صحيح أيضاً؛ أي أن الثقة فيها، ومنحها حريتها في اتخاذ قراراتها، وفي حركتها، وفي عملها وتلمس رزقها، مثل أن تطلق مارد الفساد من قمقمه.
ويقول أسطون حركي آخر هو (الهندي) أبو الأعلى المودودي في كتابه الحجاب: (القاعدة الرئيسية في نظام الاجتماع الإسلامي هي أن دائرة عمل المرأة هي البيت وليس الإذن بخروجهن منه إلا رخصة وتيسيراً، فيجب ألا يحمل على غير معانيه).
تقرأ مثل هذه الآراء والاجتهادات، ثم تعود إلى تراثنا القريب، وتحديداً قبل أن يُؤدلجه الحركيون القادمون إلى بلادنا من خارج الحدود، فتجد أن المرأة كانت تعمل في المزارع، وترعى الماشية في الصحراء، وتبيع وتشتري في الأسواق، وكانت تحضر بنفسها مجالس القضاء، فتخاصم وتدافع عن حقوقها؛ وأتذكر أن مجلس والدي الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم - رحمه الله - وكان يتولى بنفسه توثيق المبايعات وقسمة الإرث بين الورثة وكتابة الوصايا يرتدنه النساء، ويقضي - رحمه الله - حاجاتهن في الكتابة والتوثيق والبيع والشراء والقسمة؛ ولم يجد في (وجود) النساء في مجلسه محذوراً؛ وكذلك كان بقية المشايخ في عصره؛ فما الذي تغيَّر؟
يكفي أن تقرأ قصة (غالية البقمية) التي عاصرت الدولة السعودية الأولى، وكانت - رحمها الله - فارسة (وهابية) عظيمة لا يشق لها غبار، (تقود الجيوش)، وتخطب في الفرسان، وتؤدي مسؤولياتها القيادية بكل إخلاص وقوة وشكيمة، فكيف بالله عليكم يدَّعي البعض أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - مارست مصادرة حقوق النساء، وضيقت عليهن، ومنعتهن من تلمس أرزاقهن، وعلماء هذه الدعوة (الأوائل) هم من أقروا (مشروعية) إيكال هذه المهمات الجسام إلى هذه المرأة العظيمة وليس غيرهم!
هذه ممارسات علماء الدعوة، وتعاملهم مع المرأة كما حفظها لنا التاريخ، وقبل أن (تُلوّث) أدبيات الحركيين بيئتنا الدينية والثقافية؛ وفي المقابل أمامكم (مقولات) حسن البنا وأبي الأعلى المودودي، نقلتها لكم بالنص، وأترك لكم الحكم.
ملحق على جنب:
قرأت رد الدكتور محمد يحيى النجيمي عليَّ هنا في (عزيزتي الجزيرة) يوم الأحد الماضي. كنت أظن أن النجيمي بعد (فضيحته) المجلجلة في الكويت، وانكشاف أمره، وأنه رجل ذو وجهين، يقول شيئاً ويمارس خلف الأسوار شيئاً آخر، سيستحي ويلوذ بالصمت بقية حياته؛ ولكن يبدو أن هذا الرجل قد نزع الحياء من وجهه تماماً.. اللهم لك الحمد بس.
إلى اللقاء.