من حق كل دولة أن تتخذ السياسة التي تؤمن بها، وأن تقف مع من تريد من الدول، بل حتى من تعادي، إلا أنه وبالتأكيد ليس من حق أي دولة أن تبني علاقاتها وتسدد فواتير أخطاء قديمة على حساب شعب ما، وأن تساند ظالماً ضد شعب كل الدلائل تؤكد أنه تعرض لاستلاب حريته وحقه في الاحتفاظ بأرضه.
ولهذا فإن المتلقي العربي بالذات يستهجن مواقف بعض الدول الأوروبية التي تؤكد بمناسبة أو غير مناسبة بأنها مسؤولة عن أمن إسرائيل، وأنها تقع على عاتقها مسؤولية بحق إسرائيل في الوجود الآمن.
هذا التأكيد الذي يصدر غالباً من قادة ووزراء خارجية الدول الأوروبية يعبر عن عقدة ذنب تكاد تكون أوروبية شاملة تجاه ما تعرض له اليهود من ظلم إبان الاجيتاح النازي لأوروبا، وهذه نقطة ضعف يعرفها الجميع لدى الأوروبيين، ولهم الحق أن يعوضوا اليهود عما لحقهم من أسلافهم، إلا أنهم لا يمتلكون الحق أن يسددوا فواتير يعتقدون أنها واجبة الدفع لليهود من رصيد شعب غيرهم، كما هو حاصل الآن، فالأوربيون يدعمون إسرائيل بلا حدود، فقاموا بمنحها مليارات الدولارات واليوروات، وقدموا لها كل ما في ترساناتهم من أسلحة، بعضها تصنف كأسلحة دمار شامل كالغواصات النووية الألمانية والطائرات التي لا يكتشفها الرادار، والتزموا بجعل الكيان الإسرائيلي متفوقاً عسكرياً على جميع الدول العربية.
لا اعتراض لنا على ما يقدم من دعم لا محدود من أوروبا لإسرائيل تكفيراً عن ذنب ارتكبه أسلاف الأوروبية، ولكن من حقنا أن نعترض على أن يكون هذا الدعم على حساب أمتنا القومي، وأن يكون على حساب شعبنا الفلسطيني وأرضه الذي يرزح تحت الاحتلال، ويتعرض لأكثر ما كان يتعرض له اليهود في أوروبا.
قليلٌ من الإنصاف والعدل في التعامل مع الدول، خاصة وأن الدول المنحازة في تعاملها مع إسرائيل لها مصالح كبيرة لدى الدول العربية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، فانحيازها الجائر وذلك بإظهار مساندتها لظلم سافر ضد حق ظاهر لا بد وأن يؤثر على مصالحها على المدى البعيد.