فشلت مباحثات المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس في لقائهما الأخير بدمشق، كما فشلت قبلها اللقاءات المارثونية في القاهرة لوضع حد لحالة التمزق والانقسام الفلسطيني، وستفشل اللقاءات القادمة؛ والسبب واضح وجلي لكل مراقب يعرف إستراتيجيات وأهداف الحركات الأسلاموية؛ فالشعارات البراقة التي تطوح بها، والتظاهر بالنقاء والطهر، والانحياز إلى الفقراء والطبقة المطحونة، والمناداة بالعدل والسلام، ماهي إلا مرحلة أولية في أجندياتهم تليها مرحلة متقدمة من الانقضاض على الحكم بغية تحقيق أهدافهم في إقامة نظام أو إمارة إسلاموية معينة.
السلطة الفلسطينية وقعت من الأساس في فخ الجهل المطبق بالأيدلوجية الإسلاموية التي تنتهجها «حماس» الإخوانية، والسرية التي تدير بها أعمالها، ولذا لم تستطع السلطة أن تصمد حين حان وقت المواجهة في القطاع، مع أن غزة أساسا معقل فتحاوي معروف منذ الستينيات، حماس لم تصدق أن فازت في الانتخابات ولذا سعت كما هي عادة كل الحركات الإسلاموية إلى تسليح نفسها، وجلبت السلاح دون رقيب بدعوى مقاومة العدو, كما هو الحال عند «حزب الله» اللبناني، مع أن أي مراقب حصيف سيعرف أن الهدف هو تمرير أجنداتها، وخلق واقع جديد في الداخل، وتبقى مقاومة العدو للاستهلاك الشعبي فقط، وحين حان الحسم والانقلاب على السلطة رأينا جنودا مدججين بمختلف أنواع الأسلحة يذرعون الشوارع ويقتحمون الإدارات والمنازل لفرض الأمر الواقع؛ لذا فإن أي مباحثات مستقبلية لاتعطي «حماس» السيطرة الفعلية على القطاع محكوم بالفشل، لأن المصالحة تعني إعادة الأمور إلى نصابها أو على أقل تقدير مشاركة السلطة في إدارة القطاع، وفي ذلك مافيه من تحجيم للدور الحمساوي الذي تلعبه ولقياداتها الذين يرون أن سيطرتهم على «غزة» قد منحتهم مكانة كانوا يبحثون عنها، وسيفقدون الدعم من دول ترى فيهم ورقة ضغط يناورون بها عند إجراء أي مباحثات مع أمريكا تحديدا؛ من هنا فإنني أستطيع أن أؤكد - وأرجو أن أكون مخطئا - أن أي مباحثات قادمة للمصالحة بين فتح وحماس ستمنى بالفشل لسبب بسيط وهو عدم قبول حماس أي اتفاق يحد من سيطرتها على «غزة»، أما لماذا تشارك في اللقاءات مع فتح وهي لاتقبل بنتائجها فللاستهلاك المحلي والعربي ولإيجاد التبريرات أمام الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره.
الفكر الحركي الإسلاموي فكر قائم على المناورة و«التقية»، لأن الهدف النهائي له هو الوصول إلى السلطة والحكم، وهذا ماحققته «حماس»، وهو ماتسعى إليه أمها الكبرى (الإخوان المسلمون)، وما انخراطهم في العمليات السياسة وخوض الانتخابات تحت أي مسمى فهو مجرد «طعم» للحكومات المختلفة!, أقول قولي هذا وأنا حزين فعلا على الوضع الفلسطيني البائس والمتشظي، وأخشى ما أخشاه أن تتحول قضية هذا الشعب المنكوب الذي ذاق الأمرين من عدو لم يجد من يردعه وفصائل فلسطينية متقاتلة إلى أندلس جديدة، وحينها لن يجدي بكاء فتح وحماس كما لم يجدِ قبله بكاء «أبو محمد الصغير» على بوابة قرطبة.. إلى الله المشتكى.