على الرغم من كل الإثارة وردود الأفعال التي أثارتها تسريبات ويكيليكس إلا أن ما كشفته يكاد يكون معروفاً ومتفقاً عليه؛ فمواقف الدول ونظرتها تجاه بعضها البعض، وتحليلات الدبلوماسيين جميعها أشياء معروفة، وهي بالتالي لا يمكن اعتبارها تجاوزاً أو ارتكاباً لجرائم أخلاقية أو سياسية أو حتى سلوكية، لأن عمل الدبلوماسي ببساطة هو جمع المعلومات وتحليلها وإرسالها إلى دولته لتوظيفها لخدمة مصالح. وهنا تختلف أهمية التسريبات الأخيرة لموقع ويكيليكس عن التسريبات السابقة التي كانت تهتم بالجانب العسكري، فالوثائق التي نشرت في التسريبات الأولى تتعلق بخروقات وتجاوز مفرط لعمل العسكريين ذهب ضحيته العديد من المدنيين الأبرياء الذين لا يمكن اعتبارهم أهدافاً في الحروب.
أما في التسريبات الأخرى التي أعادت نشر برقيات واتصالات ما بين السفارات الأمريكية ووزارة الخارجية فإنها تظهر للعلن فقط كيف يعمل السفراء والدبلوماسيون، وهو ما يعلمه ويعرفه كل من له علاقة بالعمل الدبلوماسي، فالسفير ومساعدوه من الدبلوماسيين الذين يعملون في البلد الذي يبعثون إليه، إنما هم عيون وآذان بلدانهم ولا بد من أن يوثقوا ويحللوا كل ما يسمعوه ويروه ويبعثوا به إلى وزارة الخارجية التي ترسل خلاصتها إلى قيادات البلد.
أما مضامين ما كشفت عنه التسريبات فإنه لا يشكل إحراجاً كبيراً سواء للذين نسبت إليهم الأقوال، أو حتى للأشخاص الذين أرسلوا تلك الملاحظات والأقوال، ففي عالم اليوم والعصر الحاضر لا يمكن إخفاء المواقف، وإذا ما تناولنا موقف دول الخليج العربية من قضية الملف النووي الإيراني والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العربية، فإن الجميع يعرف ومتيقن من أن دول الخليج العربي جميعاً لا ترغب في استمرار البرنامج النووي الإيراني، وأن جميع أهل الخليج العربي لا يثقون بأقوال الإيرانيين من أن البرنامج النووي مخصص فقط للأغراض السلمية.
إذن ما كان يقال خلف الأبواب، أصبح مسموعاً عبر موقع ويكيليكس، وهو لا يشكل إحراجاً كبيراً مثلما شكل الكشف عن جرائم قتل وإبادة في العمليات العسكرية أثناء حربي احتلال العراق وأفغانستان.