الحمدلله رب العالمين، مبدي النعم وشافي السقم القائل سبحانه وتعالى: ?وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ?.. وأصلي وأسلم على من بعثه ربه رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فنحن أمام مناسبة من أعظم المناسبات وأغلاها وأسعدها على قلوبنا جميعاً ألا وهي شفاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - متعه الله بالصحة وألبسه لباس العافية- من العارض الصحي الذي ألم به هذه البشرى التي نقلها إلينا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- النائب الثاني ووزير الداخلية التي وقعت على القلوب كالغيث، كيف لا؟ وهو إمام المسلمين الملك العادل البار صاحب الشفافية والصراحة والبعد الإستراتيجي، الملك المتميز ببعد النظر المتلمس لحاجات شعبه وأمته, وإذا كان مرض خادم الحرمين الشريفين في ظاهره محنة وابتلاء، إلا انه حمل لنا في باطنه منحة ربانية تجلت في أمور كثيرة منها:
أولاً: كفارة وطهور ورفع للدرجات وحط للسيئات نسأل الله تعال أن ينال خادم الحرمين الشريفين من ذلك أعظم النصيب.
ثانياً: هذه المشاعر الفياضة الجياشة الصادقة الذي يلفها الحب والولاء لخادم الحرمين الشريفين والخوف عليه الذي دفع بالألسن والقلوب والأكف أن تتوجه إلى الله تعالى بشفائه وعودته إلى الوطن سالماً غانماً أحسن مما كان..
وإن من تمام نعمة الله تعالى على هذا الملك الصالح طيب القلب صافي السريرة أن صادف هذا المصاب عشر ذي الحجة تلك الأيام الفاضلة التي لا تفضلها أيام، ولا يعدل العمل الصالح فيها عمل فكان الدعاء الخالص فيها من كل مواطن ومقيم على تراب الوطن بل ومن كل مسلم صادق على وجه الأرض بالشفاء العاجل والتام لخادم الحرمين الشريفين.
وأنبه هنا: أن هذه المحبة الصادقة التي قذفها الله تعالى في قلوب العباد لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لهي خير دليل على محبة الله تعالى لهذا العبد ودليل على صلاحه وتقواه ومنزلته عند مولاه سبحانه وتعالى وهذا كله يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» أخرجه البخاري..
وفي رواية لمسلم: «إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض».
وكأني في هذا المقام أستحضر قول سهيل بن أبي صالح: «كنا بعرفة فمر عمر بن عبدالعزيز -وهو على الموسم- فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي: إني أرى الله يحب عمر بن عبدالعزيز. قال: وماذاك؟ قلت: لما له من الحب في قلوب الناس».. وهذا كله مصداق قوله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ? مريم96
واستحضر هنا مشهدين يدلان على مدى ما وضعه الله تعالى من الحب في قلوب الناس لهذا الملك الصالح..
الأول: تلك المرأة العجوز التي قاربت الثمانين من العمر والتي تسكن في إحدى القرى النائية جنوب مدينة حائل التي عندما سمعت بشفاء خادم الحرمين الشريفين أمرت ولدها بذبح ناقة وذلك شكراً لله على سلامة خادم الحرمين الشريفين وشفائه من الوعكة الصحية التي ألمت به.
الثاني: ذلك الحاج من إحدى الدول الإسلامية الذي أنهكه عناء السفر وأداء المناسك رغم ضعفه وتعبه عندما سمع بمرض خادم الحرمين الشريفين قال: عدت إلى المسجد الحرام مسرعاً وذهبت إلى الملتزم والتصقت به وظللت أدعو وأدعو لخادم الحرمين الشريفين أن يشفيه الله تعالى من مرضه.
والمشاهد والقصص في هذا كثيرة وكلها إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى ما وضعه الله من محبة في قلوب المسلمين لهذا الملك الصالح خادم بيته والحرمين الشريفين المطبق لشريعته رافع لواء التوحيد الخالص لله رب العالمين.. ومما لا شك فيه أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ما نال هذه المحبة إلا لإيمانه الصادق وإخلاصه لربه أولاً ثم ما قدمه ويقدمه لكل مواطن ومقيم ولكل مسلم بل ولكل إنسان على هذه الأرض حتى استحق بجدارة لقب: ملك الإنسانية.
أما ما قدمه للمواطن والوطن فكثير وأكثر من أن يحصى فها هو يتلمس حاجة كل مواطن ويعيش همومه فيسعد بسعادته ويتألم لألمه، يبذل الغالي والنفيس لسد حاجة المحتاج ورفع المعاناة عن المرضى والمكروبين والمكلومين والمظلومين..
فها هو يأمر باستمرار صرف بدل غلاء المعيشة ليخفف عن المحتاج ويرفع المعاناة عن الفقراء ويعين على حوائج الدهر وصروف الزمان..
وها هو يعتني بصحة المواطن فيقيم المستشفيات والمراكز الصحية في كل مدينة وقرية وهجرة, وفي كل حاضرة وبادية..
وها هو يستشرف آفاق المستقبل ويتطلع لغد مشرق حيث رفع لواء التعليم عالياً، وبخاصة التعليم العالي الذي لم يحظ بدعم ورعاية واهتمام وتطوير بمثل ما حظي به في عهده -أيده الله- حتى غدت الجامعات السعودية في طليعة أرقى جامعات العالم وغرس البحث العلمي المتميز الخلاق سمة من سمات هذه الدولة المباركة وعلامة من علامات رقيها وتطورها وتقدمها وازدهارها.
وها هو يقوم على خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة فأحدث فيها من التطوير والتوسع والتيسير ما عجزت الألسنة والأقلام عن وصفه وأصبح يشهد به القاصي والداني حتى عدّ ما قام به في هذا المجال بما يشبه المعجزة.
وها هو يمد يد العون والمساعدة للملهوفين والمكروبين والمستغيثين في أرجاء الأرض فما من كارثة وقعت على أي بقعة من البسيطة إلا وكان أول السباقين لمد يد العون والمساعدة والنجدة وهو يرجو في كل ذلك مرضاة ربه سبحانه والزلفى إليه, مدفوع في ذلك من دينه أولاً ثم من إنسانيته وصفاء نفسه وصدق سريرته ومحبته لعباد الله، فلا غرابة بعد ذلك أن أحبوه كل هذا الحب وبادلوه كل تلك المشاعر..
ونحن في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ننظر إلى خادم الحرمين الشريفين نظرة الإكبار والإعجاب والتقدير والاحترام لأعماله الجليلة على جميع المستويات ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر قراره التربوي الإستراتيجي بإبقاء المعاهد العلمية مرتبطاً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي هي في الوقت نفسه نواة لها وتوجيهه -حفظه الله- بتطويرها وهي المؤسسة التربوية التي غرسها والده جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وتعهدها بالرعاية بنوه (رحمهم الله) حتى عهد مقامه الكريم وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز (حفظهم الله)..
نسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يمن على خادم الحرمين الشريفين ذلك الحبيب المحب الصادق الصدوق الصابر المحتسب المخلص لدينه ووطنه وأمته بالشفاء التام الشفاء الذي لا يغادره سقماً وأن يرده إلى وطنه ومواطنيه وأهله وذويه سالماً غانماً إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وبهذه المناسبة الغالية أهنئ نفسي أولاً ثم أهنئ الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي وكافة المسلمين في أرجاء الأرض بشفاء خادم الحرمين الشريفين وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصبحه أجمعين..
(*) وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لشؤون المعاهد العلمية والأستاذ بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء