1 - أنصار العلمانية يرون فيها ضماناً للمساواة وبديلاً إنسانياً لكل أشكال التطرف.. ويقولون إن كل القوى التي تحارب العلمانية لا تطرح بديلاً عنها سوى بعض الطروحات المؤدية دائماً إلى التطرف الديني أو إلى التطرف الإثني.. أو الارتداد إلى كل أنواع العصبيات التي لا تقدم أية صيغة حقيقية لتعايش سلمي بين البشر يقوم على المساواة.. مما يشير إلى انفراد المشروع العلماني بكونه المشروع الوحيد الذي يوفر لأعدائه حقوقاً أساسية ضمن سياقات قانونية يقرها هو ذاته ويدافع عنها.. أما خصوم العلمانية فيرونها تهديداً للدين وقيداً على انتشاره من الخاص إلى العام.
2 - يكمن مقتل العلمانية في إعلائها لقيمة الحرية - فردياً وجماعياً - وهو ما يمثل نقطة الخطورة عليها.. ففضاء الحرية المتسع الذي تتيحه تنمو فيه كل الظواهر والاتجاهات.. بما فيها تلك التي تعادي جوهر العلمانية وتطالب بشطبها.. فنرى عداء اليمين المسيحي يتسابق مع عداء اليمين الإسلامي في إعلان الحرب على الشكل العلماني الذي أتاح للطرفين حرية العمل والممارسة.
فاليمين المسيحي المتطرف يرى في العلمانية النظام المتساهل الذي سمح للمسلمين في أوروبا بحرية العمل والتنظيم.. وتعامل بلا مبالاة مع اتساع نطاق تأثير الجماعات المتطرفة.. واليمين الإسلامي يرى في العلمانية (والغرب كله) عدواً أزلياً لا سبيل إلى التعامل معه سوى إعلان كفره والحرب ضده.. وبذلك يمكن القول بأن فرادة المشروع العلمانية من ناحية تاريخ الفكر العالمي جعله المشروع شبه الوحيد الذي يوفر لأعدائه حرية إعلان وممارسة الحرب ضده وضمن سياقات قانونية يقرها هو ذاته ويدافع عنها.
3 - نشر في مجلة البعث الإسلامي (عدد 9 مجلد 36) أنه خلال ندوة علمية نظمتها جمعية المثقفين المسلمين بولاية أترابراديش بالهند يوم 6-10-1991م.. ألقى الشيخ أبو الحسن الندوي خطبة جاء فيها: «إذا فقدت البلاد (الهند) لا قدر الله العلمانية والجمهورية واللاعنف، فلن تبقى البلاد كما هي».. ثم قال الشيخ الندوي: «العلمانية شجرة لا تقترب منها الحيَّات والعقارب والدويبات السامة الأخرى.. وأنها ضمان لسلامة الشعب الهندي وسلامة البلاد».
4 - واجه البابا (بنيديكتوس الرابع عشر) في زيارته إلى بريطانيا في شهر سبتمبر 2010م حرباً إعلامية طالبت بمحاكمته في قضية التجاوزات الجنسية بحق الأطفال التي اقترفها بعض رجال الكنيسة وتغاضت عنها.. وهم بذلك يريدون معاملة المؤسسة الدينية المسيحية وعلى رأسها البابا كأي مؤسسة مدنية من مؤسسات المجتمع المدني.. هذه المطالبة أثارت حنق الفاتيكان على العلمانية حتى أن مبعوثهم للترتيب للزيارة.. صرح لدى وصوله إلى بريطانيا أن انطباعه وهو في مطار هيثرو «يشعره وكأنه في بلد من بلدان العالم الثالث» في إشارة منه إلى التعددية الدينية والمذهبية التي تمارس نشاطها وبشكل ظاهر تحت رعاية العلمانية.. وهي التهمة الحقيقية الوحيدة الموجهة إلى العلمانية.