الدهور والأعوام، والليالي والأيام، سنن الله في خلقه تتعاقب في هذه الدنيا، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وبتعاقبها وسيرها تتعاقب الفصول والأيام والشهور والسنين على الناس.
إن فصل الشتاء يمثل لكثيرين مجرد نزلات البرد وإنفلونزا واكتئاب، كما أنه يمثل آخرون مجرد عائق للخروج والتنزه، سواء بسبب مطر، أو برد ورياح شديدة، أو لأن نهاره قصير وليله طويل شديد البرودة، ولكننا إذا رأينا كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة رضوان الله عليهم عن فصل الشتاء، عرفنا كيف كان حبهم لهذا الفصل، فهو بالنسبة لهم فصل العبادة والصيام والقيام والتفكر والتذكر والعبر لأولي الألباب! فقد وصف الكثير من الصحابة والسلف رضوان الله عليهم فصل الشتاء بأنه موسم لفعل الطاعات والغنائم الكثيرة وشجعوا على اغتنامه حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «الشتاء غنيمة العابدين»، كما خص النبي (صلى الله عليه وسلم) فصل الشتاء بحديث شريف، حيث قال: «الشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه».
وقد تم تفضيل عبادة الصيام (مدرسة للإيمان والتقوى)، وعبادة صلاة القيام (أول صلاة تفرض على المسلمين الأوائل)، في هذا الفصل؛ لأن طول الليل يمنح الإنسان فرصة؛ لأن يأخذ فيه حظه من النوم، ثم يقوم بعد ذلك إلى الصلاة، أما قصر نهار الشتاء أدى إلى سهولة صيامه.
وكما قال ابن رجب رحمه الله: «قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف»، كما بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهاجر، وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركاب عند حلقات الذكر». عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:» الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة»الترمذي
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: «ألا أدلكم على الغنيمة الباردة» قالوا: بلى .. فيقول:» الصيام في الشتاء».
ومعنى كونها غنيمة باردة: أنها غنيمة حصلت بغير قتال ولاتعب ولا مشقة ، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفواً صفواً بغير كلفة.
* مستشار قضائي وأستاذ أكاديمي وعضو التحكيم والمصالحة وكاتب