في آخر ساعة من مساء يوم الأربعاء ليلة الخميس الموافق 11/ 12/ 1431هـ صعدت إلى بارئها الروح الطاهرة من الجسد الطاهر للوالد محمد بن عبد الله بن إبراهيم الراشد عميد حمولة الراشد من عرينات من سبيع من أهالي بلدة العطار بسدير، فاللهم اجبر مصيبتنا واخلفنا خيراً منها في والدنا البر الرحيم والمؤدب الحكيم والشيخ الزعيم والعميد العمود العماد لأهله وعشيرته ومحبيه ووطنه، وقد صدق ووفى ابن العم الدكتور عبد الله بن عبد المحسن الخلف حين قال بعد دفنه (لقد دفنا اليوم تاريخاً عظيماً) فقد أمضى الوالد المبارك مائة سنة ونيفا في عمل صالح لم يكن منه فحسب التربية الصالحة لأبنائه والرعاية الحانية لأيتام لاذوا به والمصداقية والشفافية في بيعه وشرائه والأمانة والحفظ لما يوكل إليه من عمل حين كان رئيساً لهيئة النظر في أمانة مدينة الرياض والحكمة الحنكة في إصلاح ذات البين والسياسة والدهاء في وأد الفتن ورد المعتدي والنظر السديد والوعي الرشيد في رعاية مصالح بيته وعشيرته وأهل بلدته العطار بسدير وهو في كل ذلك الرجل المهيب الوقور الصامت العفيف الصادق الصدوق المتواضع لين العريكة غض اللسان باذل المعروف باسط اليد والوجه والجانب .
فسبحان الله الذي يجمع صفات الرجال في رجل واحد.
فليس على الله بمستكثر
أن يجمع العالم في واحد
وهكذا الناس لا يعدون بأشخاصهم بل بأفعالهم
والناس ألف منهم كواحد
وواحد كألف إن أمر عنى
ولهذا بكته قلوب العارفين والمحبين من أهله وعشيرته وأصدقائه ومن سمع به حتى لو لم يره لما سمع عنه من خصال طيبة وسجايا حميدة.
يموت قوم فلا يأسى لهم أحد
وواحد موته حزن لأقوام
ألا فلا نامت أعين الجبناء والكسالى والبخلاء والمتأخرين عن السباق في ميدان الشرف والمروءة والطيَّب من الأعمال والأقوال .
أحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره.
يفنى ويبقى بعد الموت ذكره
إذا خلت من شخصه داره
كان أخوه الشيخ الفاضل الورع الزاهد حمد بن عبد الله الراشد أصغر منه سناً ولكثرة بياض لحيته وضعف بنيته وما هو عليه من العلم وما عرف عنه من الدعوة والوعظ والإرشاد يحسبه من لا يعرفه الأخ الأكبر للوالد محمد فيقدمونه عليه في السلام فينهره الوالد حين يمتنع ويقول له هذا فضل أعطاك الله إياه بل إن الوالد محمد هو الذي يقبل رأس أخيه ويقدمه في المجلس.
وأحسن أخلاق الفتى وأجلها
تواضعه للناس وهو رفيع
كان رحمه الله محباً لوطنه عاشقاً للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه يردد علينا أخباره وآثاره وسجاياه ويطرب للحديث عن تدين الملك عبدالعزيز وكثرة صلاته وعبادته في شهادة عن كثب واطلاع على أحواله حين كان مشاركاً له في بعض غزواته مع جماعة من أهل بلدته العطار بسدير. وفي آخر أيامه كنا نسأله عن الحال فلا يجيبنا بأكثر من قوله ( من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) ونحن اليوم يا أولادي عندنا كل هذا وأكثر .
أثمرت تربيته الصالحة عن أبناء مباركين هم الآن في خدمة دينهم ووطنهم وهم معالي الدكتور عبد الله مدير جامعة الملك خالد ومعالي الأستاذ عبد الرحمن نائب رئيس هيئة سوق المال وسعادة المهندس إبراهيم كان أحد كبار موظفي شركة سابك وهو الآن رئيساً لبعض الشركات الصناعية وسعادة الأستاذ أحمد أحد كبار موظفي إحدى الشركات التجارية . وأحسب أن سيرة الوالد محمد الراشد ستبعث الآن من جديد حيث تلهج بها اليوم وبعد وفاته الألسن وتعرض في المجالس ويتبعها المحبون له والعارفون، فالرجال الكبار لا تطوى صحائفهم بعد موتهم بل تنشر وتتلى.
لعمرك ما وارى التراب فعاله
ولكنه وارى ثياباً وأعظما
وإنما نتذكر سيرة والدنا رحمه الله ليكون قدوه ومثلاً للأجيال ليقتبسوا منها الحكمة ويروا فيها المثال والنموذج ليقتدوا ويهتدوا.
ثناء الفتى يبقى ويفنى ثراؤه
فلا تكتسب بالمال شيئاً سوى الذكر .
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثاني
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وأسبغ عليه شآبيب رحمته وجعله في عليين وأحسن عزاء أهله ومحبيه والحمد لله رب العالمين.
(*) رئيس مجلس إدارة مجموعة الرواد العالمية وشركة الرواد للتربية والتعليم