الفهم الخاطئ من بعضنا لمعنى العالمية في مجال الفنون التشكيلية قد يودي بقطار إبداعانا إلى الخروج عن مساره وقد نجد الكثير من بوادر هذا الخروج أو لنقل (الانحراف) في الفترة الأخيرة خصوصا تجارب الشباب التي اعتمدوا فيها على ما يرونه من أعمال عالمية وجدوا فيها سهولة التنفيذ دون بعد موضوعي وذلك نتيجة للمفهوم الذي يتبعه هؤلاء وغيرهم ممن ينتهجون نهجهم، فمفهوم العالمية يتوقف عند تقليد الغرب والسير على خطاهم وإتباع الثقافة الجديدة التي تسعى الدول الغربية إلى تعميمها ونشرها لتستبدل بها ثقافات العالم وحضاراته وتلغي كل أثر للأصل والتراث، هذه الموجة التي سادت العالم عبر قرون طويلة لم تجد لها قبولا إلا من فئات معينة ليس لها تأثير أو خوف من تعميم فكرها لوجود (كنترول) يحكم ويتحكم ويميز الغث من الثمين مع ما يرى من شائبة ذلك التوجه في إبداع مبدعي الشرق وبالتحديد الشرق الأوسط وبشكل خاص عالمنا العربي.
أتذكر هنا لقائي مع أحد الفنانين الصينيين الذين أقيم لهم معرضا بمركز الملك عبد العزيز ومشاهدتي أعمالا تحمل أثر التأثر الأوروبي بعيدة في شكلها ومضمونها عن ما عرف عن الفن الصيني مما دفعني لطرح السؤال حول هذا التغير فأجابني إنها مشكلة الفن هناك نتيجة سفر أو تلقي بعض الفانين الدراسة في أوروبا وأمريكا وتأثرهم بالفنون الحديثة التي أخذت في الانتشار كالنار في الهشيم، مضيفا إنهم في الصين يرون أنها دخيلة ومؤثرة وتبعث الخوف من طمس هوية إبداعهم الصيني، هذا الرأي من فنان لإبداعه شخصية و صفات وخصوصية وجد في تلك التبعية تأثيرا على هويته النابعة من ثقافته فكيف بنا ونحن نخطو خطواتنا في إثبات هويتنا وخصوصيتنا التشكيلية لنشاهد هذا التوجه السريع من شبابنا نحو التقليد. فالعالمية التي ننشدها هي الانتشار والوصول إلى الآخر بفنوننا وثقافتنا بأن يفرض الفنان إبداعه المستلهم من واقعه وتراثه وأصالته بحداثة لا تطمس أو تزيل هذه الصفات بقدر ما تقرب سبل الالتقاء وجمع القواسم المشتركة بأخذ ما يفيد وإضافته لما نحن مقتنعون به ويمثل واقعنا وتاريخنا وحضاراتنا.
أعجبتني عبارة قالها الفنان شيخ النحاتين العراقيين الفنان محمد غني حكمت الذي احتفت به عمادة كلية الفنون الجميلة وجمعية التشكيليين العراقيين الذي أكد على أنه لا يرغب بالعولمة ولا بالشهرة والمال ولا يرغب في أن يكون نحاتاً عالمياً بل نحاتاً عراقياً، رغم ما حققه من دراسة وأعماله ومحاضراته في إيطاليا وفرنسا وموسكو وكندا وأمريكا ودول عربية عديدة تمنحه الصفة، أجد تعليقا أو إضافة بقدر ما أرفع كف التحية والتقدير مثال هؤلاء ولمن على شاكلتهم من فنانينا الرواد، السليم والرضوي وغيرهم ممن درسوا واحتكوا بفنانين عالميين ولم تبدلهم مشاهداتكم للأعمال العالمية الحديثة بقدر ما أثبتوا حضور هويتهم وخصوصيتهم فحققوا بها النجاح واحترام الآخرين لهم، ومن المؤسف أن نشاهد التغريب في إبداعات لا زالت في طور التجربة الأولية أصبح لها تمجيد وتشجيع من قبل من يهمهم إلغاء الهوية أو الانتماء وسعيهم لأن تكون الثقافة عامة لا كما يجب أن تكون بأصالتها.
إننا في هذه المرحلة الهامة في مجال الفنون التشكيلية علينا أن نسير بخطين متوازيين الأول التمسك بالهوية وإثباتها من خلال استلهام الموروث أي كان البيئي في ما أبقته لنا الآثار القديمة في جزيرتنا العربية والموثقة والمحفوظة بمركز الملك عبد العزيز التاريخي أو بالفكرية من روايات أو شعر وخلافه كأحد مصادر الإلهام المهمة.
أما الخط الآخر فهو في كيفية تقديمها على طبق حديث يوازي ما يسعى إليه الآخرون ويجيز لنا أن ننشئ موقعا عالميا من بين الفنون الأخرى التي حقق مبدعوها المزج من الحديث المعاصر كأساليب وبين مصادر الإلهام ومنهم مبدعو الفنون في مصر أو العراق وتأكيدهم على بصمتهم الخاصة التي سجلت عالميا.
والحقيقة إننا قادرون على إعادة قطارنا التشكيلي إلى مساره حينما يعود هؤلاء التابعين للحداثة رغم علاتها إلى لملمت أوراق إبداعهم من جديد وإعادة تنظيمها وتدويرها لتكون أكثر قدرة على إبقاء السمة والانتماء للمكان مع السير مع متطلبات الزمان، ومن المؤسف أن نجد قاعات عرض محلية تسعى وتحرص لأن تقدم أعمالا مغايرة تكاد تغير وجهة الفن المحلي فأخلت باتجاه البعض وسار خلفها طمعا في الانتشار بأقنعة مستوردة وليست أصيلة.
فكرة جديرة بالإعجاب
المعرض الذي أقامته الجمعية السعودية للثقافة والفنون بعنوان الوطن من خلال الوثائق الرسمية يستحق الإعجاب والتقدير كون الفكرة جديدة غيرت ما تعودنا عليه من مسميات أو حتى مصادر إلهام بنقلنا إلى وثائق قد تكون غابت عن ذاكرة المجتمع أعيد عرضها بطرق وأساليب تشكيلية كانت الوثائق فيها مصدر إلهام كبير ومشجع للابتكار أجزم أنها ستكون مفتاحا لذاكرة ومختزل الفنانين لإيجاد سبل تعبير نابعة من الوطن أرضا ومجتمعا . تحية للزملاء في الجمعية التي يقودها الدكتور عبد العزيز السبيل رجل لا يمكن أن يخطئ تقدير الإبداع بقدر ما يمهد له الطريق.