(1)
وحدة
لم يستطع أن يخلد إلى النوم كما حدث في الليالي الماضية.. ظلت الأفكار تطارده وتنغص عليه ساعات الراحة التي يحاول أن يختلسها عقب أيام كانت مليئة بالأحداث.. لا يدري لماذا يفر منه الجميع؟ توقف ليفكر.. لماذا هو دوناً عن سائر أقرانه.. بلا أصدقاء ولا حتى معارف.. يذهب لعمله يؤديه على الوجه الأمثل.. لكن أحداً من رفاقه لا يقربه ولا يبادله حواراً.. وحتى عندما كان يحاول أن يبدأ معهم حواراً عارضاً.. كان يقابل بصد.. يعقبه فرار غير مبرر الأسباب.. أمعن التفكير.. إنه يعاني من ذات المشكلة مع الأقارب.. لا عائلة.. لا أحد منهم.. انقطعت صلتهم به من زمن بعيد.. حتى من يقابلهم منهم صدفة في الطريق.. سرعان ما ينصرفون عنه.. ويتركونه بلا تحية.. ولا أمل في لقاء..
بخطوات متثاقلة.. ذهب إلى الحمام.. أضاء المصباح الصغير فوق المرآة.. نظر إلى صورته المنعكسة عبر صفحتها.. حدقت الصورة فيه أيضاً.. أطال التحديق كمن يستأنس بصحبة الصورة.. مرَّ الوقت بطيئاً.. ولدهشته.. رأى الصورة المنعكسة تتراجع للخلف.. ثم تخرج من الإطار مسرعة.. وتتركه وحيداً يحدق في الفراغ الذي خلفته وراءها.
(2)
مجلس الحكماء
اجتمع مجلس الحكماء في الغابة بصفة عاجلة بناءً على استدعاء رئيسه لهم.. كان الغراب أول الحضور.. ثم تلاه (أبو قردان).. ثم جماعة (البوم).. وكان (مالك الحزين) آخرهم كونه الرئيس..
ترقّب الحضور سبب الاستدعاء العاجل فصرح لهم مالك الحزين بأن شدو البلابل وهديل الحمام يفسد هدوء الغابة ويعرضها للأخطار.. كما أنه يخالف تقاليد الغابة الرصينة.. هز الجميع رؤوسهم مؤمِّنين على ما قال... انتقل من فوره إلى قرار اقترحه عليهم بمنع الشدو والهديل في الغابة بقرار جماعي.. وافقوا على الفور.. وسرعان ما انتقل القرار إلى جنبات الغابة.. ولكن الطيور لم تمثل له.. بل صار صوتها أعلى.. وشدوها أعذب.. مما أجبر مجلس الحكماء على اتخاذ قرار جديد بالرحيل من الغابة.