حين تحقق مؤسسات المجتمعات التعليمية والثقافية براءة إنجاز المواطن المبدع والمثقف وصاحب الرأي والمقتدر عل إدارة حياته على أقل تقدير، فضلاً عن التفاعل والتأثير الفاعل في بيئته ومجتمعه، يومها يمكن الاطمئنان عن مقدرات الفرد، ومن ثمة منح هذه المؤسسات براءات المنجز البشري الذي يمكن الاعتماد عليه في بناء حضارة أمته, من أجل ذلك توضع مؤسسات التعليم تحت مجهر التقويم بدءاً بطرح الأسئلة عن مضامين ما تقدمه من خبرات على مقاعد الدراسة، قبل مساءلة الأهداف التي ترص عادة في قوائم، ليس هناك مصداقية دقيقة تزن مدى ما تحقق منها إلا ما يمكن أن يلمس في المدى البعيد بعد تخطي الدارس لمراحل عدة في مخطط التعليم وبعد انتقاله لمستويات متقدمة زمنياً لا كيفياً فنجده يعرف كيف يقرأ أي أنه حقق هدف: «أن يقرأ» ولكن كيف هي هذه القدرة، وهل تصاحبها مهارة الاستيعاب والتحليل ومن ثم النقد، وما ينتجه من رأي وموقف؟ أم أن هذا الهدف يتحقق في أدنى صوره وهو فك الحرف أي تخلص الفرد من أمية القراءة لكنه، لا يزال واقعاً في أميات أخر، هو أشد حاجة لها كي يتمكن من أن يكون منجزاً إنسانياً لهذه المؤسسات، إذ يصبح أي مكسب له خارجها في مستقبله، إنما يعود لصناعته الخاصة، أو صناعة بيئته الأسرية، أو يغدو كالحمام يلتقط كلما حط على موقع أو مرّ به ما يسمع فيأخذ، وما يقال فيكرر، وما يعلق به لا يمكن أن يكون حصيلة تؤهله من أن يكون فاعلاً في مسيرة حضارة وتطوير أمته.... هذا الهدف مثال واحد وتترى من بعده الأمثلة..
ربما قصور المؤسسات التي يكثر فيها لغط الأهداف والتنفيذ والكفايات والتطبيق والتقويم و....و... هو الذي يعثر كثيراً في تمكين الفرد فيها من نيل القدر الأكبر من خبرات تؤهله، وتؤهلها من منجز الفاعلية الملموسة..
فكم خرَّجت المؤسسات التعليمية من أميين وأمييات..؟ انحصرت إمكاناتهم في خبرات بمجرد أن غادروا مقاعدها تبخرت..ولم يبق لهم منها إلا ما علق بأذن الحمامة،..
هذا الهم الذي كثيراً ودائماً ما يعتلج في النفس على مدى سنوات طوال كنت كلما اندمجت مع ثلل الطالبات الجامعيات أجده يحترك في قلبي خفقات، وفي حلقي غصص، لأنهن يأتينني راغبات في التلقي متعودات على الكتاب المدرسي، وكتابة محاور الدرس على اللوحة، أوفي المذكرة المعدة سلفاً، فإذا ما وجدن غير ذلك صعبت عليهن مهمة التحصيل، فهن غير مؤهلات للتنقيب الذاتي وللحوار الموضوعي ولإبداء الرأي وتمحيص المسموع والمقروء، لا يعرفن المصادر العامة ولا يعلمن عن المعلومات الأساس، ولا يملكن من خبرات تؤهلهن لمقاعد الدرس الجامعي، حتى إذا ما خضعن لبعضها ثقلت عليهن، إلا من رحمها والداها برعاية خاصة،...فكيف هي تراكمية خبراتهن السابقة التي يمكن أن تجعل منهن عناصر فاعلة في الحياة،,..؟ وأي المنجزات للمؤسسات التي عبرن بها ردحاً من أعمارهن إلى أن وصلن لمقاعد الجامعة أو ومراحلها المتقدمة؟
حرضني لهذا الهم الخبر الذي نشرته الجزيرة في عدد أمس الخميس الثاني من ديسمبر 2010 بعنوان: (أرامكو السعودية تحتفي بحصولها على مائة براءة اختراع وتبسط عملية الإنجاز الإبداعي للأجيال الناشئة)...
لأتساءل: متى تحقق مؤسسات المجتمع التعليمية والتربوية والثقافية هدفاً كبيراً هو منجز الإنسان في أرقى مستويات الكفايات..؟ وتحقق حصولها على البراءة الكبرى في إنجاز الفرد.. في ضوء ما يوضع لهذا من أهداف...؟ على الأقل في ضوء مثالية الأهداف المرصوفة في قوائم عامة وخاصة.. على آمادها القريبة والبعيدة..؟ المهم أن تنجزه..؟
ما سبق هو غاية التطلع لهذه المؤسسات لأقصى ما يشمل كل فرد يتعرض لخبراتها ومن ثم يخرج للمجتمع، بعيداً عن الحصر..وإلا فإن هناك جهوداً تتناثر، وجهاداً على مستويات نمذجة المثال, لكنه همٌّ مفتوحة أبوابه في صدر كل من عانى منه..