أشكو قلة حيلتي إليك يافرج من لا فرج له. يبدو أني سأتلاشى وأن جسدي يترجم مايدور في عقلي الباطن من آهات مكتومة. عدت لوطني فاستأصلت مرارتي، وأسمع الآن بعد عودتي بعام واحد عويلاً مدوياً في قولوني الصغير. الساعة تشير إلى الثامنة والثلث صباحاً، ثلث ساعة لم تبرح ناقتنا فيها شبراً واحداً عن مكانها في الطريق، رغم أنني خرجت من منزلي تمام السابعة. أرجوكم لا يقل لي أحدكم «بورك لأمتي في بكورها»!!! فأنا مبكرة في كل شيء، بكرت في استوائي وبكرت في نضجي وأجزم أني بلغت الحكمة قبل عمري. ما الذي يحدث في الرياض؟ هاه ؟!!! هل نتكاثر في اليوم والليلة؟ إنها الثامنة والنصف، انفرج الآن ثقب صغير أمامي، نعم لقد انتقلت السيارة للإشارة الثانية والتي يقودها شخص غريب الوطن واللسان، يتسلى بمداعبة أنفه بشكل يثير الاشمئزاز ويحدث نفسه كل يوم قبل أن ينام: آه لو أن عندي فلوس سيم سيم سعودي أنا يصير ملك! مثل ما تخالجني نفسي كل ليلة قبل أن أحلم أو لا أحلم: وش الله حادنا عليهم بس؟! طالما انتقلت للإشارة الثانية، إذاً ثمة أمل أن أصل أجل سأصل. لكن مهلا يا قوم، مهلا لقد ظلمت مدينتي الأثيرة ومسقط رأسي بقسوة تنكيلي بها، إنني ألمح تصادماً بين سيارتين في تقاطع شارع الملك عبدالعزيز أهاااااا !! إذاً هذا الحادث هو سبب الازدحام المُحْرِقْ الذي ينفث لهيبه الساخن مذ أن شاهدت من على متن دابتي معالم أسوار جامعة الأمير سلطان! آسفة يامدينتي الحبيبة ولا تثريب عليك يا رياض. إن اللوم كل اللوم يقع على القدر! نعم! هل من المعقول أن يقدر الله جل في علاه وقوع حادث كهذا وهو سبحانه يعلم أن هذا وقت حرج وأنها ساعة ذروة؟ ألا يعلم عالم الغيب والشهادة أن آلافاً مؤلفةً من ذوي الحاجات والمستضعفين في الأرض مصائرهم معلقة بجرة قلم وأن أصواتهم تتحشرج بالدعاء خشية الخصومات؟ صبر جميل والله المستعان. هو يعلم ولكنهم لا يعلمون ولا يُمَكّنُون عقولهم من التفكير والتخطيط لوضع شيء ما يسمى مثلا..مثلا.. خطة لفك الاختناقات المرورية أو مثلا الاستعداد لساعة الذروة!
لكن لهذه المعاناة جماليات من نوع خاص جداً. جميل مثلاً أن تصحو منتشياً بنية متفائلة ثم بمحض الصدفة تكتشف أن باستطاعتك أن تتحول إلى مئة إنسان بمئة انفعال في ساعة واحدة. جميل جداً أن تتحسس من خلف بُرْجِكَ العاجي معاناة كل من تسول له نفسه أن يقع في مثل هذه الأزمة. جميل جداً ألا ترى ظل شرطي أو نصفه أو ثلثه وأن ترى عوضا عن ذلك مواطناً يترتجل من سيارته وينظم حركة السير وفي فمه غصة. وآخر بزي عمله في الجوازات يقلب رأسه في السماء ويومئ بحركات بهلوانية اجتهادية للسيارات أن تتحرك يمنة ويسرة. بل وأجمل من ذلك أن ترى شخصا يشرع نوافذه ويرفع صوت مسجلته لنتشارك معه ثواب المحاضرة الدينية وهو لا يعلم أن ثمة أشخاص على شاكلتي يدعون عليه بوابلٍ من سجيل. والأجمل على الإطلاق أن ترى خادمة فلبينية بات وجهها بلا ملامح وهي ترقب الأشياء من حولها. كان بودي أن أشرع نافذتي أنا الأخرى وأقول: هوني عليك يا صديقتي في الإنسانية. أنتِ لا ينتظرك خط أحمر ولا خصم مادي أو معنوي. سيداتي سادتي لست أرى بعد أي ملامح لشارع الستين رغم أنها التاسعة إلا الثلث. لكنني مبتسمة جداً وواثقة جداً أن لا ضِيقٍ إلا وبعده الفرج وأن ثمة مفاجآت سعيدة يخبئها لي خالقي الكريم لا تستحق أن يفسدها ازدحام شارع أو ملامة مدير.. بس على الله يقتنع بطني!!!