في هذه التظاهرة التراثية الحضارية الثقافية الدورية.. وفي هذا المهرجان السنوي الكبير الذي يحمل اسم مؤسس وموحد هذه البلاد المباركة.. ويرعاه ويدعمه شخصية رفيعة بحجم صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز رئيس هيئة البيعة -حفظه الله- بما له من مكانة في نفوس الجميع واحترام يحظى به ويستحقه، مما كتب لهذا المهرجان النجاح والاستمرار عاماً بعد عام.. وينعكس اهتمام أهل هذه البلاد وأبناء الجزيرة العربية بالإبل الذي لم يكن وليد اليوم.. وليس بغريب بحكم العلاقة التي تربط العرب بالإبل.
فعلاقة الإنسان العربي بالإبل علاقة قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ حيث استطاع تطويعها منذ عصور موغلة في القدم.. وسنستعرض شيئاً من هذا التاريخ، ويرجع الباحثون البدايات إلى أنها مرت بأربع مراحل:
المرحلة الأولى: استخدم الجمل كمدر للبن، ونادراً ما استخدم كدابة للنقل أو الركوب.. ويرجع ذلك إلى الألف الرابع ق.م في الأجزاء الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية حيث شاع فيها ومنها إلى جنوبها الغربي فأفريقيا.
المرحلة الثانية: وترجع إلى حوالي الألف الثاني ق.م حيث استخدم الجمل كدابة للنقل في الطريق التجاري الهام الواقع في غرب شبه الجزيرة العربية حيث استخدم الجمل في نقل العطور والبخور والسلع البسيطة.
المرحلة الثالثة: ويرجع تاريخها إلى ما بين نهاية الألف الثانية وبداية الألف الأول ق.م حيث استخدم الجمل فيها لأغراض حربية، كما يظهر من فحوى النقوش الآشورية التي صوَّرت العرب وجمالهم أثناء حروبهم المختلفة.. وبخاصة تلك التي نشبت بين العرب وبين الملك الآشوري شلمنصر الثالث.
المرحلة الرابعة: ما بين (500 - 200 ق.م) حيث استخدم الجمل استخداماً بارزاً في معارك العرب تمكن فيها راكبه من استخدام الحربة والسيف، وهناك من يرجح أقدم تهجين للجمل كان في الألف الثالثة ق.م، وفي شرق الجزيرة العربية.. وهناك أيضاً من يرجع ذلك إلى الألف الثانية ق.م.
وقد احتلت الإبل مكانة مرموقة عند عرب الجزيرة، فلم ينس العرب ماضيهم مع الإبل في نشر الدعوة الإسلامية خارج الجزيرة العربية، والإبل كانت كل شيء في حياة الأجداد، كانت مصدر الرزق، ووسيلة النقل، وعتاد الحرب.
ورغم التطورات التقنية الهائلة ووسائل المواصلات الحديثة ما زال ابن الجزيرة العربية يحفظ ذلك الود والوفاء للإبل.. ويذكر الجمال بوفائها وصبرها وقدرتها على التحمل ويحتفظ بالعلاقة التي بينه وبين هذا المخلوق العجيب الذي ارتبط به منذ فجر التاريخ.
ولا يزال للإبل نفس المكانة المرموقة عند كثير من الناس حيث أصبحت اليوم في موضع فخر واعتزاز لكل من يملكها من العرب ومصدر قوة اقتصادية ولا يزال خيرها كسابق عهدها فياضاً.. فما نشهده اليوم من سباقات الهجن ومهرجانات تراثية تهتم بها.. وما يحصده ملاَّكها ما هو إلا تعبير وإحياء لمجد آبائنا مع الإبل.
*أستاذ التاريخ بجامعة الإمام