في حلقة نقاشية تناول مؤخراً الدكتور عبدالله البريدي موضوعاً بالغ الأهمية في مسيرة إصلاح التعليم العالي في العالم العربي، حيث طرح موضوع (صناعة الكتاب الجامعي: الأهمية والمقومات)، وذلك بدعوة من جامعة الجزيرة في السودان. وقد عالج الدكتور البريدي العديد من المسائل ومنها:
- لماذا نحتاج الكتاب الجامعي في التعليم العالي؟
- ما أبرز سلبيات الكتاب الجامعي في التعليم العالي؟
- ما أبرز مواصفات الكتاب الجامعي الجيد؟
- ما الصعوبات التي تكتنف صناعة الكتاب الجامعي؟
- ما الصعوبات التي تكتنف صناعة الكتاب الجامعي وفق منظور التكامل المعرفي؟
- ما الذي يمكن أن يضيفه الكتاب الجامعي وفق منظور التكامل المعرفي؟
- ما مواصفات مؤلف الكتاب الجامعي؟
- توصيات عملية لتطوير عملية صناعة الكتاب الجامعي في العالم العربي والإسلامي.
وقد أكد الدكتور البريدي في بداية حديثه أن إنتاج الكتاب الجامعي (صناعة متكاملة) بكل ما تحمله الكلمة من معان وما يرتب عليها من استحقاقات إستراتيجية وإدارية وتسويقية وبشرية ومالية ومعلوماتية وتقنية فضلاً عن الأطر العلمية والبحثية، وأوضح الدكتور البريدي الكتاب الجامعي العربي يعاني من ضعف شديد في جودته مما يدفع ببعض الجامعات إلى تبني الكتب المترجمة أو حتى التفكير في خيار التدريس باللغة الإنجليزية، مؤكداً على أن ذلك الضعف في الكتاب الجامعي له انعكاسات خطيرة وسلبية في مسار تطوير التعليم الجامعي العربي، وقد عدد بعض الصعوبات التي تكتنف عملية صناعة الكتاب الجامعي العربي.
وفي سياق الحديث عن (الكتاب الجامعي التأصيلي) أشار الدكتور البريدي إلى أن مصطلح (التأصيل) يعاني العديد من الإشكاليات المفاهيمية والفلسفية والتطبيقية، ومن أهمها أن المصطلح غلب عليه الشحن العاطفي أكثر من الفعل الفلسفي خاصة في بداية تشكله، كما أن المصطلح يعاني كثيراً من ضعف أو رداءة بعض النتاج العلمي أو الفكري الذي صدر باسم (التأصيل) ومن ذلك ما أسماه (التأصيل العكسي: من الإبداع الغربي إلى النص المقدس)، وبناء على ذلك فالدكتور البريدي يذهب إلى استخدام مصطلح (التكامل المعرفي) كبديل ملائم، نظراً لحمولته الإيجابية وغناء دلالاته، ومن ذلك:
- استخدام مفردة (التكامل) بكل أبعادها الإيجابية واستحقاقاتها الضرورية للفكر العربي الإسلامي وتزداد تلك الإيجابية بإضافة مفردة (المعرفة).
- هذا الجمع بين المفردتين (التكامل المعرفي) يعطي معنى الانفتاح المطلوب ويحرّض على الإبداع، فالتكامل لن يحدث من تلقاء ذاته، بل يفتقر إلى عقول خلاّقة مبدعة متفلسفة.
- انكشاف عيوب المنظور التجزيئي للمعرفة، وتبني بعض الجامعات لمنظور التكامل المعرفي، ومصطلح التكامل المعرفي يعين على تحقيق التكامل بين الحقول المعرفية وفق منظور يسترشد بالإطار المعرفي (الإبستمولوجي) الإسلامي، وهو تكامل ضروري لتمكين تلك الحقول من تفتيت التعقيد في الحياة المعاصرة وإعادة التوازن لها والتقليل من النزعة المادية الاستهلاكية التي تكاد تسحق إنسانية الإنسان وتحيله إلى عامل بئيس في ورشة كبيرة.
- يحمل مصطلح (التكامل المعرفي) معنى الاستشراف أو التفطن لمستقبل المعرفة الإنسانية.
- مصطلح التكامل المعرفي أقرب إلى الجانب التطبيقي.
- ثمة جهود ذات طابع فلسفي منهجي تطبيقي في مجال تطوير الأبنية المفاهيمية والمنهجية والفكرية في مجال التكامل المعرفي.
وقد اعتبر الدكتور البريدي أن أكبر عقبة أمام تطوير صناعة الكتاب الجامعي في العالم العربي عدم وجود دور نشر قوية ومستعدة للاستثمار في تأليف كتب جامعية عالية الجودة، لا سيما بارتفاع تكاليف عملية إنتاج مثل تلك النوعية من الكتب المميزة، وقد دعا إلى اتحاد واندماج بين دور النشر، لنظفر بدور نشر ذات إمكانيات ضخمة، مذكراً بأن دور النشر الكبرى في العالم مارست مثل ذلك التكتل والاندماج وعلى رأسها دار النشر العملاقة «وايلي»، وقال لننظر كم عدد دور النشر التي اندمجت لبناء مثل هذا الناشر الكبير؟
وقد ختم الحلقة النقاشية بمجموعة من التوصيات العملية:
1- ترسيخ الإيمان بمقومات ومفردات التحضر العربي الإسلامي داخل الأروقة الأكاديمية، والعمل على صناعة الكتب الجامعية في ضوء متطلبات المشروع الحضاري.
2- إعادة الاعتبار للإبداع في الثقافة العربية كقيمة أساسية وشرط رئيس في مشروع التحضر.
3- العمل على تهيئة وبناء بيئة الإبداع في الفضاء الأكاديمي العربي وربطها بعملية صناعة الكتاب الجامعي القائم على منظور التكامل المعرفي.
4- عناية كتب المنهجية العربية بقضية الإبداع والتأكيد على أهمية اكتساب الباحثين والمؤلفين لمهارات التفكير الإبداعي.
5- التنسيق والتعاون لإنتاج كتب جامعية عالية الجودة وفق منظور التكامل المعرفي وتوفير مقومات نجاحها معرفياً وتقنياً وتسويقياً.
6- التعريف بالكتب الجامعية الجيدة في مختلف التخصصات وبذل جهود كافية لتطويرها.
7- تعميق الوعي بمفردات ومباحث نظرية المعرفة (الإبستمولوجيا) الإسلامية، وتأكيد محوريتها في صناعة الكتاب الجامعي وفق منظور التكامل المعرفي.
8- تشجيع تأليف الكتب الجامعية المحررة (Edited books) مع الإفادة من التجارب الدولية الناجحة..
9- تشجيع الكتب الجامعية المحكمة وحث الجامعات والمؤسسات العلمية على صرامة التحكيم ودقته.
10- التأكيد على أهمية مراجعة الكتب الجامعية المؤلفة من الناحية العلمية واللغوية والفنية وتأكيد أهمية عمليات الصف والإخراج للكتب وتضمينها لمصادر المعرفة الأخرى وأساليب التعلم المتنوعة وتفعيل الأدوات التقنية الحديثة.
11- دعوة دور النشر العربية للاندماج لبناء دور نشر قوية.
وقد تم تخصيص هذه الحلقة النقاشية لأعضاء هيئة التدريس من المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وحضرها نخبة من الأكاديميين الذين أثروا الحديث بمدخلات عديدة.