هنيئًا لدولة قطر فوزها بتنظيم كأس العالم 2022؛ عملت بجد، وحددت الأهداف بدقة، فحصلت على النتيجة المستحقة.
العمل المؤسسي يفضي إلى النجاح دائمًا، لا مجال للاجتهادات، ولا مكان لغير المحترفين، ولا مجاملة لأحد على حساب الوطن. أن تهزم الدول المتقدمة أمر أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع؛ إلا أن الكفاءة الإدارية، واستثمار القدرات العالمية، والإيمان بالقوة، والقدرة على تحقيق الأهداف أسوة بالآخرين قلبت المعادلة.
ملف قطر لاستضافة كأس العالم كان مليئًا بالطموحات، قبل المشروعات، كان خليطًا من الفكر التنموي، والتخطيط الإداري، والإستراتيجي، والحس الإِنساني. لم يُترك شيئًا للصدف، والمفاجآت، بل ضُمِّنَ كل ما من شأنه دعم طلب الاستضافة؛ حتى عرض الملف والوعود التنموية للدول الفقيرة كان فاعلاً ومؤثرًا. العاملان الإِنساني والبيئي كان لهما وقعٌ مؤثرٌ في نفوس المصوتين، وأفكارهم التي تجاوبت مع المشاعر الإنسانية التي تحرك العقل وليس العكس.
الإصرار على النجاح ضَمِنَ كسب الأصوات. روح الفريق الواحد، ونكران الذات، ودعم الملف بإخلاص وتفانٍ حققت المعجزات. كُتبت «النوتة» الموسيقية لِتُعزَف بشكل جماعي، ولم يكن بين العازفين من يصدر النشاز. الحكومة، الشعب بأكمله، المحطات الفضائية، القنوات الدبلوماسية، سفراء الملف كانوا مجندين لخدمة ملف قطر ولا شيء غير ذلك؛ لا يمكن أن تجد ما يتعارض مع الهدف، إنها الكفاءة والقدرة على تجنيد الآخرين لضمان دعمهم الملف؛ أجزم أن للإعلام القطري دورًا رئيسًا في تحقق هدف انصهار المجتمع في بوتقة ملف الاستضافة.
ما أجمل أن يكون الإعلام إيجابيًا وأن يوجه لخدمة قضايا الوطن، بناء الشخصية، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية، وأن يعمل بجد لجمع الشريحة الأكبر من الإعلاميين العرب والخليجيين لخدمة هدفهم الأسمى، بأسلوب حضاري يعتمد على إزالة جبال الجليد لا بناء الأسوار العالية. ينظر البعض إلى استضافة كأس العالم على أنها تظاهرة رياضية عالمية، وهي كذلك، إلا أنني أنظر لها بعين التنمية والبناء والتشييد؛ هي تظاهرة تنموية عالمية بكل ما تعنيه الكلمة. لكأس العالم متطلبات ومعايير تنموية يجب تنفيذها، وهي وإن كانت تخدم نجاح الحدث، إلا أنها تخدم المواطنين أولاً وأخيرًا. تجهيز البنية التحتية، واستكمال الخدمات، تخطيط المدن بطريقة تمكنها من استيعاب التظاهرة، ومئات الألوف من المشجعين، هي متطلبات تحقق المصلحة والأهداف التنموية قبل كل شيء.
الاقتصاد القطري سيكون أكثر المستفيدين خلال السنوات القادمة، وبشكل أدق خلال التظاهرة العالمية، وهذا لن يحول دون استفادة اقتصادات بعض الدول الخليجية الأخرى؛ أتمنى أن يُنشأ جسر البحرين قطر، خلال السنوات القادمة ما قد يساعد كثيرًا في تحقيق التنمية المتبادلة والاستفادة القصوى للدولتين من الحدث العالمي.
البحرين مرشحة لتكون أكثر المستفيدين خاصة في قطاعات السياحة، النقل الجوي، والإيواء والنشاط التجاري؛ في الوقت الذي ستشهد فيه شركات التشييد الخليجية نموًا كبيرًا بسبب الطلب المتوقع على خدماتها خلال السنوات القادمة.
الشعب هو المستفيد الأول وإن زادت التكلفة على 50 مليار دولار، فهي أموال ستُنفق على التنمية التي ستبقى بعد أن تنتهي تظاهرة كأس العالم، وستكون ملكًا للوطن والمواطنين.
استضافة كأس العالم ستكون محفزة لزيادة برامج التنمية، وستدعم قطاع السياحة، التشييد والبناء ليس في قطر فحسب بل في دول الخليج الملاصقة، فالعدوى الإيجابية باتت تنتقل بسرعة الضوء بين دول الخليج.
البحرين ودبي لا تفصلهما إلا دقائق معدودات عن الدوحة، أما المنطقة الشرقية، فهي العمق الملاصق لقطر؛ الحديث يقودنا من الدولة المستضيفة إلى الخليج الأكبر والأعم، والفوائد التي يمكن أن يجنيها من تلك التظاهرة العالمية. الاستعداد يفترض أن ينتقل إلى دول الخليج الأخرى، فهي معنية بأمر الاستضافة، وأحسب أنها ستكون في بؤرة الحدث.
فرحة قطر هي فرحة للمملكة، ولدول الخليج وللعالم العربي، هي فرحة للمنطقة بأكملها، ومن استمع إلى تصريحات الأمير سلطان بن فهد، الرئيس العام لرعاية الشباب، يستشعر الفرح الأخوي الذي عم الجميع.
مبروك لقطر، ومبروك لدول الخليج، وللعالم العربي هذا الحدث الكبير الذي أرجو أن يكون استثماره التنموي من الأولويات في جميع دول الخليج، فالمعايير العالمية لا تقتصر على الرياضة ومتطلبات الفيفا، بل تمتد إلى شؤون التنمية التي يفترض أن تكون هدفًا رئيسًا تخدمه الأهداف الأخرى وإن عظمت.