الإعلان عن إنجاز أمني جديد ، يفكك خلايا إرهابية، ويطيح بعناصرها من القتلة، هو في حد ذاته أمر مفرح، لأنه يدلل على أن الأجهزة الأمنية في عموم المملكة، تحقق الانتصار تلو الانتصار، على فئة لا يكفي أن نقول عنها ضالة فحسب، بل هي في حقيقة الأمر إرهابية بامتياز، تضم مجموعة
من كتائب الموت المتعطشة للدماء، التي تدربت على صنع القنابل والمتفجرات، واستعدت لتفجير المباني والممتلكات، واستهدفت الآمنين من مسئولي الدولة ورجالاتها وحملة الأقلام فيها.
عرض علينا المتحدث الرسمي في وزارة الداخلية، اللواء منصور التركي في الأسبوع الفارط، ما أسميه: (الحصاد الأمني) لثمانية أشهر مضت. كان هناك (149) إرهابياً، جميعهم من السعوديين، ما عدا (25) من جنسيات مختلفة، توزعوا على (19) خلية إرهابية، كانت تخطط لتفجير المنشآت والمؤسسات، وقتل مسئولين وإعلاميين وغيرهم. الحمد لله الذي مكّن منهم، والشكر لله ثم للعيون الساهرة في أجهزة الأمن السعودي، التي تثبت لنا كل يوم؛ أنها ساهرة على أمن الوطن ومواطنيه، قائمة على حماية البلاد والعباد، جاهزة في كل وقت، لكل طاريء أو جديد أو مبتكر، من أساليب الخارجين، وخطط المخربين، ومخططات الإرهابيين.
الإنجازات الأمنية في هذا المسار وفي غيره حقيقة؛ مفرحة دائماً، لكن استمرار تفريخ الإرهابيين من أذناب طالبان والقاعدة، أمر غير مفرح وغير سار، بل هو مزعج ومقلق إلى أبعد حد، لأن الأسئلة القديمة تتجدد مع كل حدث من هذا القبيل: إلى متى وصغارنا يرتمون في أحضان الفكر الطالباني، ويقدمون أنفسهم حطباً لنار القاعدة..؟! وإلى متى يظل المحرضون أحراراً في تضليل الناس، وفي تجنيد التفجيريين والمنتحرين..؟! وإلى متى يظل الممولون لمشروع طالبان والقاعدة، بعيداً عن المساءلة والمحاسبة..؟!
كان بيان المتحدث الرسمي واضحاً وتفصيلياً، وعرض مضبوطات مالية ناهزت المليونين ونصف المليون ريال. كان العمل الخيري كالعادة، ضحية وقناة رئيسية، فهذه واحدة من الثغرات الذي ينبغي الانتباه لها بشكل جيد، ليس فقط من الأجهزة الأمنية وحدها، ولكن من قبل كافة المواطنين كذلك، الذين ينبغي ألا يُخدعوا بما يُرفع من شعارات ودعايات في طلب التبرعات، ظاهرها ديني، وهي في حقيقتها حزبية وحركية، تنطلق من منطلقات خبيثة، وتوجه المال الخيري إلى دعم العمل الإرهابي، الذي يستهدف في نهاية الأمر، أمن الوطن، وحياة المواطنين.
ليس هناك أبشع من محرض خفي، وممول خفي، مع أن كثيراً من المحرضين اليوم، يمارسون التحريض علانية على رءوس الأشهاد، ضمن مسار الخطاب الديني الذي لم يتغير كثيراً، فهم يفتون كما يشاءون، ويكفرون من يعترض سبيلهم، ويفسقون من يكشف خططهم وأهدافهم، انطلاقاً من انتماءاتهم الحركية المعروفة، وانسجاماً مع مشروعهم الحزبي الطالباني، الذي يوفر للقاعدة أسباب بقائها حية، ويُسهم في استمرار عملياتها في المملكة واليمن بصفة خاصة، فقد ظهر حتى اليوم، أنه ليس هناك صعوبة في خلق أجيال جديدة من عناصر بشرية، تؤمن بمشروع القاعدة، وتقدم حياتها من أجله، وإن ظهرت بعض المصاعب في توفير الدعم المالي.
إن المحرضين إخوان الشياطين، تجب ملاحقتهم، والضرب على أيديهم بقوة، فهم أس البلاء، وهم أصل الفتنة، وإن الممولين محتالون سُرّاق، تمتد أيديهم إلى ما بأيدي الناس والمؤسسات الخيرية من مال، تحت شعارات وغطاءات دينية مزيفة، فيدفعون به إلى خلايا الإرهاب في الداخل والخارج، ليرتد علينا أسلحة ومتفجرات وعناصر انتحارية. هؤلاء جزء لا يتجزأ من الخلايا الإرهابية، تجب متابعتهم ومحاسبتهم، والقصاص منهم جراء ما تقترف أيديهم من إثم.
في نهاية المطاف.. أيها السيدات والسادة؛ نفرح ونسر بكل منجز أمني جديد ضد الإرهاب والإرهابيين، لأنه يعني أننا ننتصر على أعدائنا وأعداء الوطن والمواطنين، ومع ذلك؛ فإننا نحزن ونقلق، لأن منابع الإرهابيين لم تجفف بما يكفي، ولأن خيريتنا تنحرف أحياناً إلى الوجهة الخطأ. مع هذا كله، ينبغي أن نتذكر جيداً، أن هذا هو الحصاد الطبيعي لصحوتنا غير المباركة طيلة ثلث قرن.